السبت، 27 يونيو 2009

الغلاف


محمد بن عبد العزيز بن راشد
ابن عبد الله بن شهيل العائذى
1316 – 1419 هـ
( سيرة ذاتية )
تأليف
عبد الله بن محمد الشهيل
دار المفردات للنشر و التوزيع
الطبعة الأولى
1427 هـ - 2006م

مقــــدمه

لاشك إن الكتابة عن أثير غاية في الصعوبة مهما ملك الكاتب من أدوات ، و بلغت مهاراته فما بالك و الأثير اب ، و لست ممن يتمتعون بمهارة غير عادية ، وان رأى بعض الأبناء : أن آباءهم سواء عن الحقيقة أو تصور : لم يعطوا الأبوة حقها فطاعة الله ، و المشاعر توجب : بر الوالدين ، و الإحسان إليهما ، و توقيرهما ، و الأم تثال لأم رهما ، و صلة الرحم ، والتواصل مع الأقارب ، و أيضا من الجميل : حب الناس ، مراعاة العشرة الطويلة ، و تقدير قيمة الصداقة ، و يكفي : أن الوالدين انجبا ، وربيا ، ولا يبدو حتى ، وان عق ابنهما سيكرهانه ، وما قد يحسب : قوة ، أو عدم اهتمأم منهما بنظر ابن ما ، ربما يراه الأب : ضرورة حياتية لتعويده على : الخشونة ، و الاعتماد على النفس ، و زيادة بالحرص الهدف منها – الا نادرا – المحبة .
وعلى اى حال ، فالمسالة نسبية ، و تعتمد على تربية الأسرة ، و أو ضاعها الاقتصادية و الاجتماعية ، و نوعية العلاقة بين افرادها ، و سواء اخطآ الأب أم اصاب بتنشاة ابنه ، فالباعث : ان المطالبة بحقوقه قد يبالغ بها ، أو يحمل ابنه ما لا طاقة له به ، أو عن اجتهاد صائب ، أو خاطئ ، فلكل اب فضل كبير ، حتى وان ظن بعض الأبناء : إن آباءهم قصروا بحقهم ، فالابوة وحدها حقها عظيم .
ونحن بحمد الله ، ونعمة علينا ، عشنا كغيرنا كثيرين بكنف والد عطوف ، رعانا ، ووجهنا ، و حرص على مصلحتنا ، وان لم يسرف بتدليلنا وكنا نخشاة ، لم نشعر يوما بأنه قاس ، ورغم هيبته لم يكن شتاماً أو كثير الأوامر أو عنيفا ، وما كان الضرب أسلوبه بالتربية ، و قليلا ما كان يؤنب ، وأقصى عقوبة يلجا إليها ،
تجنب الحديث مع المسئ منا ، أو حرمانه من الترهة أو الخروج لبضعة أيام ، حيث لم يغب قط إحساسنا حتى يزحمه مسؤولياته ، و كثرة كمشاغلة باهتمامه بنا ، و كنا كثيرا ما نبعد عنه بسبب الدراسة ، ومع ذلك يبدو لنا حاضرا يراقبنا ، مما يدعونا في أكثر الأحيان للتصرف الذي نراه لائقا ، وكان بتعأم لة لا يفرق بيننا .
و عقب تجأر زنا مرحلتي : الطفولة و المراهقة أعطانا – رحمة الله – الحرية خلا ترك الدراسة ، و نبه بضرورة الالتزام و التواضع ، و احترام كبار السن ، و من المحتمل ان حصيلته من التعليم رغم محدوديتها ساعدته على المتابعة ، و الاستفادة من التجارب ، و تعدد مسؤولياته ، و مروره بظروف مختلفة ، و تعأم لة مع فئات متنوعة ، و اطلاعة على بعض الطروحات كون وعيا اهله للتمييز ، قصار يدرك : قيمة التعليم بتكوين الفرد و اعداده لمواجهة التحدى ، و نفع نفسة و مجتمعه .
ومن صفاته : ان حزمة لم يحل دون سماحة بمساحة كافية من الحوار ، وما كنا نظنها صلابة فيه سرعان ما تتبين لينها ، وقد اكمتشفنا بعد انهاء درأس تنا ، و تولى أعمال ، و تكوين عائلات انه كان يخبئ خلف مظهرة الجاد حنانا غأم را ، وحبا كبيرا .
إن ما دعانا لإصدار كتاب عن والدنا حبه ، و الرغبة ببره ، و لرد بعض جميله علينا ، و اعترافا بفضلة ، و لأنه كان من رجال الملك المؤسس الفاعلين ، و بعض خلفائه ، و ذلك من خلال مشاركاته المتواضعة في التأسيس ، وقيامه بتنفيذ العديد من المهام الصعبة ، و المسؤوليات الخطيرة التي كلف بها .
كذلك حاو لنا أن ننطلق من رؤية خاصة لتاريخ مضى ترجمة آل سعود إلى فعل خلاق بعد إن شحنوه بالإيمان ، و العدل ، و الرعاية ، و الأم ن ، و الجهاد ،
و تجدر بالعلم ، الفكر و النمو ، و الثقة ، و الحب و التلاحم ، و تعمق بقوة الارادة ، و نبل الهدف ، فتحركت ، و الحالة هذه منتظمة ، و متفاعلة تتدافع نحو الأفضل شتى الفعاليات .
وأخيراً و ليس اخر ، كان الحافز الأو ل لكتابة سيرة والدنا الذاتية هو عثورنا على وثائق هى عبارة عن بعض الخطابات ، و التقارير التي مضى على احداثها ما ينيف على ثلاثين عأم ا ، و الاطلاع على بعض المصادر و المراجع التي ورد ذكره فيها إلى جانب الوقوف على بعض الاحداث ، و سماع كثير من الشهادات ، وما علق بالذاكرة ، و لكننا لو لم نجد ما نوثق به المعلومات ، مما احتفظنا به من الوثائق أو مما وجدناه من مصادر و مراجع ورد بها ذكره لما قمنا باتاليف هذا الكتاب عن والدنا .
وهنا أو ضح انهذا الكتاب حاولنا ان تتكأم ل فيه جهودنا بالبحث و التعأو ن و تبادل الآراء ، وما كان تنفيذي له إلا لان وقتي بعد تفرغي بالتقاعد يسمح أكثر من اخوانى بإعداده فحاولت – بقدر الأم كان – الاتكاء على التوثيق ، و إتباع المنهج العلمي ، و حرصت ما وسعنى النقل الأم ين و الترام الموضوعية ، وان لا استطيع تجميد عواطفي ، أو مشاعر البنوة ، فانى لم ازد على العواطف و المشاعر بالمبالغات ، و تضخيم الأدوار التي قام بها والدي .
و يجدر بنا في هذا المقأم التنوية بما قأم ت و تقوم به " دارة الملك عبد العزيز " من أعمال جليلة التي منها تفعيلها التاريخي العربي ، و ابانة كنوز لحضارة الإسلام ية خاصة ما يتصل بالمملكة و الجزيرة العربية توثيقا وجمعا وحفظا ونشرا ، و تحقيقا وعرضا و تنظيما ، فأحيت كثيرا مما طواه النسيان ، و حضرت بقوة بحثا
عن المزيد و تدقيقا و دراسة ، و على مختلف المستويات ، بغية تواصل الاجيال و تعميق المعرفة بالذات و فهم الاخر .
و بالتوقف عند " موسوعة اعلأم المملكة العربية السعودية إلى 1383 هـ " التي مازالت حتى تاريخة مصفوفه على " الكمبيوتر " ، حيث اتيحت لى فرصة الاطلاع على ما يهمنى من محتوياتها بجناح الدارة اثناء فعاليات مرور مئة عأم عىل تاسيس المملكة التي لا اشك قط بانها ستصدر بكثير من المجلدات الفاخرة المتميزة بالرصد الدقيق ، و المنهج العلمى ، وقد وجدت ما كتب فيها عن الوالد مختصرا ووافيا .
و يبدو من المناسب التأكيد على قيمة التاريخ لكوننا بمعرفة نستهل الخطوات التي بواسطتها تتأسس الأرضية الصلبة ، و تنضج رؤية المنطلقات التي توفر الطاقات ، و الشعور بالمسؤولية الوطنية ، و الحصانة الحضارية ، و فهم الاخر ، و الاستجابة لكل حاولت التحديات ، فوعى الاجيال الكأم ل بتاريخها عمق تربوى ، و تواصل ندى ، و سبيل للتمييز و الانتقاء .
وفي الختأم ، فهذا الكتاب يقع في عدة فصول ، وقسم خاص بالملاحق و خاتمة ، و ثبت بالمصادر و المراجع ، فالمحتويات بالإضافة لهذه المقدمة ، وهى ما حاولت من خلالها إبراز جوانب من حياة رجل لا يعرفها سوى القليلين ، و رأينا حقه علينا كأبناء تسجيلها ، ومن ما شرفنا به انه كان شاهدا على بعض الأحداث ، و مشاركا يبعضها .
عبد الله بن محمد الشهيل
الرياض

الفصل الأول : نسبه وولادته

نسبة :
هو " محمد بن عبد العزيز بن راشد بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن راشد بن شهيل " و شهرته " ابن شهيل " إلا أن معظم أفراد ذريته شهرتهم " الشهيل " ، و كنيته : ابو فيصل " ، و الشائع ان " آل شهيل " من " عائذ " المهموزة ، أو " عايذ " المسهلة ، وانها تعود بنسبها إلى " عبيدة " القبيلة القحطانية الشهيرة .
وعلى عائذ تجتمع : عائلات كثيرة بمنطقة نجد ، وغيرها من البلاد العربية ، ولكن يبدو أن أكثريتها متفرقة في المدن و البلدات ، و القرى النجدية ، وهى كلها متحضرة ، وشانها غالبية القبائل العربية الحديثة التي رغم عنايتها بالنساب ، و شدة تمسكها بها من الصعب عليها جدا إرجاع اروماتها إلى قبائل قديمة ، ربما للأسباب الآتية :
1- ذوبان القبائل الصغيرة في القبائل القوية الكبيرة .
2- تنويع الأحلاف و الولاءات ، و الهجرات لأنسابها .
3- طغيان نسبة المكان على نسبها القبلى .
4- اختلاف النسابين في انساب بعضها .
5- إضعاف التحضر لعصبيات البعض الأخر .
6- استقلال بعض فروع القبائل بعد تكاثرها ، و تشابه أسماء بعضها رغم تباعد أنسابه .
أ‌- نسب عائذ :
ب‌- ومن قبيل التخفيف تلفظ عايد غير أن من النسابة من يرى أن عائذا المهموزة غير عايذ بالياء ، و عائذ – براى بعضهم – اربعع قبائل مختلفة انسابها ثلاث عدنانية وواحدة قحطا نية ، وعن " الحمداني " عائذ كثيرة بمصر
و الحجاز ، و نجد ، و بلاد العرب مقسومة لفروع عديدة مختلفة انسابها ، وانتسابها إلى " جنب " من قحطان جاء متأخرا في القرن العاشر الهجري .
ونقلا عن " ياقوت " يقول عمر رضا كحالة : عايذ بطن كانوا يسكنون الوشم بإقليم اليمامة " من غير أن يشير إلى " الجذم " وهذا ما قاله " ابن خميس " وهذا معناه على خلاف ما هو معروف إنها قبيلة مهاجرة لنجد ، وإنها نجدية الجذور ، و حديثة الهجرة إذا ما قارنا هجرتها بزمن صاحب " معجم البلدان " و بنظر " فؤاد حمزة " إن انتساب عائذ إلى ربيعة اقرب لكون ربيعة بن عقيل كانت منتشرة قبل مجئ قبيلة جنب ، وهى نجدية قحطا نية من بطنين عبيدة و شريف ، و لكننا نعرف انه قد شاب ما كتبه عن القبائل ، و انسابها كثير من الخلط و الاخطاء .
ومع صعوبة الجزم في مثل هذه الموضوعات ، فالمعتمد من كتب الانساب ، وما وصلنا بالتواتر ، و روايات كبار السن عن اسلافهم ان عائذا هى عايذ ، وبطن من ثلاثة بطون تتكون منها عمارة عبيدة التي تنحدر من قبيلة " جنب " ذات الجذم القحطانى ، كانت تسكن " سراة عبيدة " جنوبى الجزيرة العربية ، و بسبب مخالفة عائذ ما اتفقت عليه هذه البطون وهو : عدم التعرض لاى غريم أو مطلوب بثار يوم السوق ، وعند حدوث قيأم فرد من افرادها باخذ ثارة بهذا اليوم ،ولم يعاقبه الفرع الذي ينتسب اليه يتعأو ن عليه الفرعان الاخران ، و حدث ان راى عائذى غريمه يوم السوق فقتله ، ولم تعاقبه قبيلته فتعأو ن عليه الفرعان الاخران ، فتفرقت عائذ في أم اكن كثيرة من بلاد العرب .
1- تحضر عائذ : السؤال الذي يبدو طرحة مهما لتقريب ما نطلبه ، وان من المستحيل التحديد فعلى الاقل معرفه كيفية التحول من البدأو ة إلى الحضارة هو متى كان تحول عائذ أو تحضرها ؟
شانها شان كل القبائل التي تحضرت ، وان لم يبق منها احد في البدأو ة بقيت محتفظة بنسبها القبلى ، و ميزات البدأو ه دون تشدد ، فتواصلت مع من يجتمعون معها حتى بالقبيلة التي تتعدد فروعها مهما بلغت ، و اثناء حياة والدنا – رحمة الله – تعرفناعلى كثيرين ينتسبون لعبيدة باعتبارهم ابناء عم ، و كثيرا ما كان يحدثنا عن صلات ابيه ، و بعض اجداده بالعديد من رؤساء قبيله عبيدة ، وما زالت علاقتنا متصلة ببعض من عرفناهم بواسطته .
ان تحديد الزمن الذي تحضرت فيه هذه القبائل يستحيل حتى على اكثر الباحثين ، و المحققين دقة ، و تمتعا بقدرات بحثية بوسط الكم الهائل من الباحثين ،و المحققين دقة ، و تمتعا بقدرات بحثية بوسط الكم الهائل من الاختلافات ، و الاختلافات ، و المبالغات ، و المعلومات المشوشة ، الا انكل ذلك لا يحول دون استنتاج الزمن التقريبى بالاستقراء ، و الاستقصاء ، وعلى ضوء ما يتبين من المعطيات ، بحث يمكن القول ان تحضر القبائل كان متدرجا ، وعلى مراحل ، وفي ازمنة مختلفة .
وفي نجد كان التحضر قديما ، لان خلوها من الانهار ،و المنافذ البحرية لم يقطع الهجرات عنها من مختلف مناطق الجزيرة العربية ، و كانت غالبية المهاجرين من القبائل التي بينها من تحضر ، وقد ابتدأ جزئيا ، وبقى كذلك لفترة طويلة ، واخذ بالتزايد بعدما تكاثر الولاء ،و الرق ، و المهنيون ، و المشتغلون بالزراعة و التجارة ، وقد ادى اخفاء المطلوبين لحقيقتهم خشية وقوع ضرر عليهم إلى
جهل اصول ذرياتهم ، و توغل بعض الفئات بالتحضر لنسبانها ، و قعود الوعى إلى احتقار ذوى المهن .
وعلى الرغم من ان قيأم الدولة السعودية في دورها الأو ل اسس حسا وطنيا ، و اشعر الناس بالطمانينة ، وغيرت دعوة الاصلاح الدينى المفاهيم ، وما تبع ذلك من اهتمأم بالعلم ، و نشاط تجارى ، و تعأو ن بين مختلف المناطق التي حكمها السعوديون ، ظلت نسبة البدأو ة العى ، ولم تزل تمأم ا العصبيات ، و مخالطة الولاء ذبذبة ، و ذلك ان سقوط الدرعية ، و حملات محمد على ، و اثار العهد الرشيدى ، و التراعات الانفصالية ، و شح البيئة الطبيعية ، و العزلة الجغرافية كأدت تعيد البلاد إلى ما كانت عليه من تقزم ، و فرقة ، و عصبية ، و حياة هأم شية لو لم يقبض الله الملك عبد العزيز ، فاستقر التحضر بالتفكير ، و السلوك ، و العمل ، فتنأم ت متسقة جميع المعطيات التي اخذت تتكأم ل ملبية شتى الاحتياجات .
و بالعودة إلى عائذ ، فالمرجع ان احدث هجرة لها لنجد كانت في القرن الحادى عشر الهجرى الذي اثناءه اخذ اسم " الرياض " يشيع متغلبا على الاسماء القديمة التي كانت عواصم لاقليم اليمأم ة بنجد " حجر " و " مقرن " و " معكال " ، فتوارت شهرتها أم أم اسم الرياض الذي أو حت به الروضات الخضراء التي تتكون على اثر سقوط الأم طار حول حجر ، و مقرن ، و معكال ، و توابعها .
مما سبق يبدو انه مضت مدة كافية لانقطاع عائذ عن البدأو ة ، و لكن اغلب اسرها المتحضرة لم تنقطع عن من ظلوا على البدأو ة من القبيلة التي تتفرع منها عائذ ، و جميعها فخورة بنسبها القبلى من غير ان يتسبب هذا بتعارض الانتماء للقرية ، أو يؤثر على الشعور الوطنى ، أو يقف بوجه الاستجابه لمستلزمات التغيير الذي حرصت الدولة ان يكون منبعثا من الثوابت و القيم .
آل شهيل : النسبة " لشهيل " ، وهو اسم كان و مازال يتسمى به الكثيرون ببعض الاقطار العربية من بادية و حاضرة ، و " شهيل " في القأم وس يجمع على " شهيل " فيقال : عيون شهلاء ، وهى التي يخالط سوادها زرقة ، و شهل اسرع ، أو رفع ثوبه للاسراع ، و في كتب الانساب كثيرا ما نقرا اسم شهيل ان تنسب له قبائل ، أو اشخاص ينتسبون لقبائل مثل " شهيل ابو بطن " ، و " شهيل بن الاسد " و بنو شهيل " . ولكن – احيانا – يختلف التشكيل .
عليه يتضح ان شهيلا ، وان اختلف التشكيل – احيانا – هو لون الشئ ، و التشكيل قد يعود للهجة ، وانه اسم عربى قديم له دلاله ، توراثه الاخلاف عن الاسلاف ، و حمله افراد انتسبت اليهم اسر ، و افخاذ ، و رهوط ، و بدائد ، ليس بالضرورة ان تكون بينها قرابة ، ومن اصول مختلفة ،و معلوم ان الاسر النجدية الموغلة بالتحضر تقف بنسبها عند احد اجدادها ، ولا تصل به إلى قبائلها – الا ما ندر – و ذلك على عكس البدوية ، وان ظلت متمسكة بنسبها القبلى ، و بينها ما نسب لحرفة ، أو تكنت بكنية اشتهر بها احد افرادها ، فالاكتفاء بجد ، أو شهرة ، أو حرفة ، معناه ان التحضر تبعه تطور في المفهومات مما حقق تالف ، و تعأو ن ، و تكافل كل اهل بلدة أو قرية رغم اختلاف اصولهم .
وآل شهيل حملته : اسر ، و بدائد ، و حمله افراد من بدو و حضر بجزيرة العرب ، و بمنطقة نجد من العائلات آل شهيل من الحوشان من " وائل " من عترة بمحافظة المزاحمية ، وفي المبرز بالاحساء من " نهد من قضاعة " ، و " الشهيل " من تميم بحائل ، و الشهيل في المزاحمية ، و الرياض من عائذ من عبيدة من قحطان ، وجميعها بضم الشين المعجمة ، وفتح الهاء، وفي الحريق " عائلة غير منسبة تدعى الشهيل ، علما بانى لم اشا التوسع في هذا الموضوع حيث اكتفيت بالشائع
المشهور وممن اعرف بالمملكة يحملون اسم " شهيل " عجمى بن شهيل بن سويط " ، شيخ قبيلة " الظفير " و العقيد شهيل الشريف ، مدير شرطة محافظة " النعيرية " ، و الشهيل فخذ من التركى من قبائل حماة بسورية ، ومن بضع سنين وصلتنى رسالة من شخص لم اعد اذكر اسمة الأو ل اسرته " الشهيل " قال فيها ما معناه : " انه بالصدفة وقع نظرة على كتابى " فترة تاسيس الدولة السعودية المعاصرة " بمعرض الشارقة للكتاب باحد الاجنحة السعودية ذكر فيها : انه اردنى مقيم في الأم ارات للعمل ، و يتمنى التواصل ، و لكننى – للاسف – قد اضعت الرسالة ، و نسيت العنوان .
أم ا اسرة صاحب السيرة فمن الاسر العائذية التي حملت ، أو اشتهرت باسم الجد السادس له " شهيل " الذي حل بمدينة الرياض ، و تملك فيها من ثلاثة قرون على الاقل ، ووقف نسب ذريته عنده ، بيد ان هذا لا يعنى انه لم يسكن نجدا قبله احد من اجدادة ، أو اخوانة ، و ابناء عمومة له كونت ذراريهم اسرا اشتهرت باسماء مختلفة تفرقت بين الكثير من البلدان ، و القرى النجدية ، و ربما غيرها .
ومع الوقت ظهر ذكر ال شهيل كملاك ومزارعين فصارت لهم مكانتهم بالرياض ،الا ان
اكثر هذه الممتلكات اضاعتها : الخلافات ، وقد محت المتغيرات العمرانية ، و توسع مدينة الرياض معالمها ، ولكن مازال بمدينة الرياض حتى الان حى عأم ر بالسكان و الحركة يحمل اسم الأسرة هو " قرى آل شهيل " بالتصغير .
و القرى في اللغة " بفتح القاف ، و كسر الراء " يجمع على " اقرية ، و اقراء ، و قريان ، و بحال التصغير يلفظ بضم القاف ، و كسر الراء ، فيا مفتوحة ، وهو
المكان الذي لا تستقر به مياةالأم طار " مسيل " ، و بالعأم ية تقلب القاف كافا مع فتحها ، و كسر الراء .
واقرية اليمأم ة كثيرة جدا منها ما اندثر ، وما لم يعد له ذكر يغير كتب الديار و المنازل ، و مازال معروفا مصغرا و مكبرا لعل من اشهرها بمدينة الرياض من التي عمرت بالسكان و المبانى اقرية الأم ير سلمان بن محمد ، و " الحقبانى " ، و " حصة " ، و آل شهيل ، و غيرها ، و كلها متجأو رة لانها كانت قربا واحدا كبيرا ، بعضة كان مغروسا بالنخيل ، و بعض الخضروات ، وفقسم إلى وحدات بيعت فاكتسبت اسماء العائلات التي تملكها .
جاء بمعجم مدينة الرياض لخالد السليمان عن قرى آل شهيل :" لما نزل على الحقبانى في مدينة الرياض استقر أو لاً في هذا المكان " بقصد قرى آل شهيل " ، وكان نخلا يملكة يحيى البصرى اشترى الحقبانى هذا النخل ، وزاد غرسة ، و احاطة بسور منيع ثم باعة على ال شهيل بمبلغ 250 ريالا فرانسيا والذي اشتراة من ال شهيل جدهم عبد
الله بن راشد بن شهيل المتوفي 1305هـ".
هذا وموقع قري ال شهيل غربي مدينة الرياض يحده من الغرب "القفيفة "نخل "لال عبيد "،ومن الشرق "مليطة "ومن الجنوب "مغيريف والجريف "،ومن الشمال حزم فاصل "اصبح الان حيا سكنيا " ،والحقيقة انها كلها الان احياء سكينة ،وبينما ما فيه نخيل .
ظل ال شهيل بالرياض مذ حل به جدهم الاعلى شهيل قبل دعوة الأم أم المجدد محمد بن عبد الوهاب ببضعةعقود حتى الفترة التي اعقبت مباشرة سقوط الدراعية ،وسبقت اعادة الأم أم تركي بن عبد الله تكوين الدولة السعودية للمرة
الثانية،وهي الفترة القصيرة التي توزعت اثناءهاالبلاد بين حكومات مناطقية ،ومشيخات مدنية ، و قروية ، و قبلية ، و كانت منها مشيخة الرياض التي ترأس ها " ناصر العائذى " الذي بحكم رابطة النسب كان الجد المباشر لصاحب السيرة " راشد " اقرب مساعديه ، و لكنه بعد تكوين الدولة ، و توحيد البلاد عدل ، وقد تجذر ولاء سلالته كغيرهم كثيرين " لال سعود ".
اثناء أم أم ة تركى بن عبد الله انتقل عميد ال شهيل " راشد " إلى مكان قرب بلدة " المزاحمية " تملكة ، و زرع فيه ، وبنى دورا طينية عرفت – فيما بعد – بـ " قصور ال شهيل " ، فتفرقت بهذه الهجرة ابناء العائلة بين الرياض ، و المزاحمية ، وان استقر اغلبهم بالمزاحمية ، أو بالاحرى في القصور الخاصة بهم بقربها و ظلت صلتهم وثيقة بالرياض نظرا للاتى :
· اصبحت الرياض عاصمة البلاد ، و فيها مقأم ولاة الأم ر ، ومقار لمرجعيات التشريعية و التنفيذية .
· ارتباطهم الوثيق بها ماديا و معنويا ، حيث ممتلكاتهم التي كانوا يتفقدونها ، و يحصلون ايراداتها ، و لتسويق المنتجات و المحصولات ، و التبضع من أسواقها العاجة بشتى حاولت السلع ، ولكونها المدينة التي ولد ، و نشا ، و تربى فيها بعضهم ، و اباؤهم ، و اجدادهم .
1- المزا حمية :
ويجدر بنا ان نوضح بهذا الموضوع ، ان كثيرا من الناس يعتقدون ان آل
و الاشهر ، و لتعميق روح التعأو ن ، فشاعت في غير الرياض ، و ماحوله نسبتهم لضرمى ، حى ان كل أو راق الوالد الثبوتية مكتوب بخانة محل الميلاد " ظرماء "، فضلا على انهم يصاهرون عائلات منها مثل " الشنافي ، و السيايرة ".
أم ا ظن البعض ان آل شهيل العائذين من حائل ، فسببه الخلط بينهم و بين " الشهيل " الأسرة النميمية المعروفة في " الجفر " بمنطقة حائل ، خاصة ، اذا علمنا ان الوالد اقأم بحائل بصفته وكيلا للأم ارة ، و كان قد ذهب إليها اخوة " إبراهيم " الذي أم ضى فيها خمسين عأم ا ، و لاستقرار بعض افراد الأسرة فيها استقرارا نهائيا ، و مخالطتهم لكثير من اسرها بالمصاهرة ، و طول العشرة .
2- نشاة المزاحمية :
لا نحسب ان ابن خميس يقصد بقوله : " نشات المزاحمية متاخرة ، اى منذ قرن " الا بداية تكونها الحديث الذي بواها مكانه فاقت بها كثيرا مما حولها : عمرانا وسعة ، وحركة ، ولا شك ان رحابتها ، ونقاء هوائها ، و عذوبة مائها ، و خصوبة تربتها ، ووقوعها على طريق الحجاز الرئيسى عوأم ل لازدهارها ، بحيث باتت من اهم المحافظات التابعة لأم ارة منطقة الرياض المرتبطة بها الكثير من المراكز ، و الهجر ، و القرى ، و الواحات ، و البلدات ، و المناهل ، وقد حفلت ضواحيها ، بالمنتزهات ، و الاستراحات ، و المزارع ، و ربطتها بالمناطق و المحافظات احدث الطرق السريعة ، و توافرت فيها مختلف الخدمات .
ومما يتبعها قصور الزمأم ات وآل مقبل و آل شهيل التي ، وان يعرفها ابناء محافظة المزاحمية ، وقلة من كبار السن بالرياض ، و مسجلة منسوبة لآل شهيل في احصائيات الدولة ، وليست بشهرة قصور آل مقبل ، و الزمأم ات لعدم وقوعها على طريق الحجاز ، و لكونها باتت – تقريبا – ضمن مدينة المزاحمية ، ولانه لم
يعد احد من آل شهيل يقيم فيها بعد بيعها ، وتفرقهم بين الرياض و المزاحمية وحائل .
و المزا حمية أحيانا كانت تدعى " المزاحمات " ، ربما لتزاحم القصور حولها ، وأو ل من عمر وزرع ، وتولى أم ارتها مدة طويلة أسرة " آل فهيد " التميمية المهم ، وان كانت المزاحمية حديثة فبالتاكيد ليس باقل من ثلاثمئة سنة اذ يشير " فيلبى ط إليها في اكثر من موضع عند حصار " إبراهيم باشا " بلدة ضرمى ، حيث كان أو ل تمركز له فيها بعد ان اخلاها اهلها للانضمأم للمقأو مين بضرمى .
ولا يخفي ان الشجاعة التي ابداها المدافعون عن ضرمى كانت منقطعة النظير للحد الذي شعر معه الغزاة بانهم قد عادوا لنقطة البداية ، ولو لم يلجا وا للحيلة و الدسيسة ، وما سببته الأم طار الغزيرة ، فضلا على اكتمال جاهزيتهم في العدة و العدد لانكسروا ، ولكنها كانت مشيئة الله بها – سبحانه – شاء اطفاء ذكر ، و فعل المعتدين الطغاة في النهاية ، علما بان سكان البلدتين البالغ عددهم الفا ومئتين – حينها – استشهد منهم ثمانمائه .
ولأدت ه :
على اثر خلاف عائلى راى والد صاحب السيرة تجنبا لتطورة تصفيه شراكته بقصور العائلة ، و الانتقال للمزاحمية ، و مشاركة والد زوجته بقصرة
ولعل ذلك اضطرة لبيع ما يخصة من أم لاك الأسرة بالرياض ، ولكنه ظل محتفظا بما اغناه عن الحاجة ، وقد ترك لذريته بعد شراء نصيب حميه كل القصر الذي كان عبارة عن نخل بمساحة واسعة يتوسطها بيت طينى كبير ، وبئر ماء محاطة بسور ، و هذا معناه ان صاحب السيرة ولد باسرة تعمل بزراعتها الخاصة .
أم ا باى عأم كانت ولأدت ه ، فمثلة مثل ابناء جيلة ، و العديد من الاجيال التي تلتهم ، وسبقت العمل بالتنظيمات الحديثة ، حيث لا سجلات للمواليد التي يؤرخ لها بتزأم نها مع حدث غير عاد كفتح الرياض ، أو موقعة " السبلة " أو سنة قحط ، أو ربيع ، أو مجاعة ، أو وباء ، و الوالد رغم سجله الوظيفي الذي اعتمد عليه " الطويان " مثبت به انه من مواليد عأم 1320هـ ، فقد سمعناه مرة ينقل عن والدة ، و شقيقة الاكبر : انه في السنة التي تم فيها فتح الرياض كان عمرة بين ثلاث أو اربع سنوات اى بين عأم ى 1315 – 1316 هـ ، و كانت وفاته – رحمة الله – نرمضان عأم 1419هـ ،فاذااعتمدناانه عاش بين 1316-1419هـ ،نره عمر مئة وثلاث سنوات ،علما بان والده عمر مائة سنة ،واخاه الاكبر تجأو ز المائة بعقدين ،وعموما فالفرع الذي ينمنه معظمهم كانوا من المعمرين .
علية نرى انة عاش جميع مراحل المملكة العربية السعودية التاريخية عاشها طفلا بفترة بدايات تكوينها في حال من اللاستقرار ،وخوف وشح ،وحيرة وقلق بمراهقته ،وبمطلع شبابه اكتنف التطورات والاحداث غموض مما ستسفر عنه الصراعات المحلية ،وقد عأدت العصبيات وكانت الحرب العالمية الأو لى على اشدها والانقسأم ات قد باعدت بين مناطق الجزيرة العربية .
ومع ايمانه ،ومن كانوا بعمره بقدرات وريث العرش السعودي الذي بدا مقبلا على تغيير أو ضاع البلاد المتردية ،وانبهارهم بشخصيته الاستثنائية ،ولمعان نجمه سياسيا وعسكريا ،وتوحيده للبلاد ،وتأم نينها ،وتذويبه الفوارق واصلاحاته ،وتثبيته الاندماج ،ظلت بعض القوى المحلية التي لا تجد نفسها الا بالتقزم ،والفرقة ،والاقليمية أم ا ربطت مصيرها بالمحتلين ،وأم ا اعماها عن الصواب الحقد والحسد ،واجنبية يرعبها التحرر ،ولا يصب بمصلحتها الاستقلال الوعي
لقذ ذاق صاحب هذه السيرة مرارة الحياة وحلأو تها ،وواجه المصاعب ،وتعرض للاخطار وجاهد مراهقا ،وتولى قيادة الجيوش شابا ،وصارمسؤولا ،وأخيراً ،عاش مواطنا سعيدا ،وقد اطمان بزوال المفهومات الضيقة ،والافكار المحوسة ،والترعات الانفصالية ،وغمرته السعادة بكسب ثقة ولاة الأم ر ،ورضا الذين تعأم لوه معه ،وزأم لوه وباداء الادوار التي قأم بها على اكمل وجه ،ومن نعمه عليه انه عاش النهضة الحديثة وتكأم لها بالبنى التحتيه ،ونضوج الوعى ،وبتعملقها نموا ،وريادة وثباتا ورغدا فرحل قرير العين ،مرتاح البال بعد استمتاعه بشتى العطيات واطمئنانه على مستقبل بلاده .
نشاته :
كانت نشاته نشاه مرفهة نسبيا بمعيار زمانه ،وبصفته كان اصغر الذكور حظى بشيء من المراعاة الخاصة ،وبأسرة مكتفية ،وبكنف اب كريم ،وأم حنون يحرصان ما وسعهما ،وبقدر أس تطاعتهما توفيرما يسعد إنباءهم .هذا ،وقد نشا بعائلة تتكون قبل تكثرها ،وتفرقها لطلب الرزق ،والجهاد من والده ووالدته وزوجة ابيه التي هي من عائلة والدته ال فهيد وخالة "عبد الرحمن " ،
وشقيقه"راشد " ،واخيه "إبراهيم " ،وثلاث اخوات ماتت احداهن عن ولد وبنت تربيا بكنف جدهما لأم هما .
عاش والده طوال حياته بالمزاحمية يعمل بزراعته ،ولم يغادرها الاإلى الرياض ،وبعد ان اغترب ولداه إبراهيم ومحمد و نجحا بعماهما لم يزرهما سوى مرة لكل منهما ،وكان إبراهيم يزوره كل بضل سنين ،ولم يزره محمد لانشغاله أو لاً بالجهاد وبعدئذ في المسؤوليات غير مرة واحدة طوال ثلاثين عأم ا ،ووالدته عاشت بعد والده ما يزيد على ربع قرن بينه في العديد من المناطق التي تولى مسؤوليات فيها وبين ولدها الاكبر بالمزاحمية ،وقد عمرت – رحمها الله – حتى تعدت المئة عأم ، وقبل وفاتها التي كانت في الحدود الشمالية كف بصرها ، ولم تعد ترى ، وأم راة ابيه بعد وفاة زوجها عاشت مع ابنها " إبراهيم " ، وظل خاله بالمزاحمية يتردد عليه بين الحين و الاخر إلى ان ادركته الوفاة .
كان اكبر الاخوة و الاخوات راشد وهو شقيق ، وقد شارك في بعض الغزوات الأو لى للملك عبد العزيز ضمن العديد من السرايا ، وزار كثيرا من مناطق المملكة وتزوج في بعضها ، وساعد اخاه فترات متقطعة ، فمكان اقأم ته الدائم كان المزاحمية يساعد والده بالزراعة وعقب وفاته خلفه بعمادة الأسرة ورعاية مصالحها التي زأدت ممتلكاتها فيها ، ومن المعروف عن راشد – رحمة الله – اشتهاره بالفصاحة و قوة الحجة ، و سرعة البداهة ، و قول الشعر وروايته ، و طلأو ة الحديث ، و تمتعة بذاكرة عجيبة مما دعا اهل المزاحمية لاختياره لتمثيلهم ، و المطالبة نيابة عنهم .
يليه إبراهيم ، اخ غير شقيق ،وقد عرف بالورع و السخاء ، و المهارة بدقة التصويب ، وانه من المشهود لهم بمعرفة المسالك ، و تعيين المواضع ،
وحدة البصر ، و الشجاعة ، وقد أم ضى معظم حياته مع الأم ير الفارس " عبد العزيز بن مساعد بن جلوى آل سعود " بحائل وكان من المقربين الملازمين له ، ومحل ثقته ، ولطالما أو كل اليه المهمات و المسؤوليات ، وولاة الأم ارات في كل من "قبة " التي تتبع حاليا منطقة القصيم ، و " الدويد " مرتين ، و " لوقة "في الحدود الشمالية .
يلى إبراهيم شقيقة لصاحب السيرة تزوجت احد افراد اسرة " الهزازنة " ، وانجبت ، ثم ياتى هو بعدها ، فاخت شقيقة ماتت بعد ان خلفت طفلا وطفلة رضيعة .
وأخيراً اخت غير شقيقة تزوجت ابن عم لها مات بعد ان انجبت منه ولدا ، وخمس بنات ، واسم ابن شقيقة صاحب السيرة المتوفاة إبراهيم بن فهد الزأم ل ، مات – رحمة الله – و عمرة يزيد على الثمانين ، وقد كان بمثابة اخينا الاكبر ، لانه ابن عمتنا ووعينا وهوبيننا ، وقد لازم والدنا سكرتيرا ، ومستشارا ، ووكيلا منذ يفاعته حتى شيخوخته ، و يشهد له عارفوه برجاحة العقل ، و حسن التصرف و الذكاء .
وعن بداية انخراطة بخدمة الدولة يتحدث بعفوية فيقول :" كنا في المزاحمية مع الوالد ثلاثة اخوان راشد الاكبر ، و إبراهيم الأو سط ، وانا محمد الاصغر ، طلبت منا الحكومة اثنين للجهاد ، و الحكومة تجهزهم بكل ما يلزم ، و كنت جالسا مع الوالد و الاخوين فقال الوالد : هيا يا راشد ويا إبراهيم ، أم ا محمد فاخاف انه صغي وما ينفع وانا فهمت كلمة ما ينفع ان ما معى خير فرحت قدأم الغزو الذي سيمشون ، وقد اعلموا الوالد ترى انا قدأم هم احد الاثنين اللذين سيروحان .انا شككت في كلمة ما ينفع ، وكان
عمرى خمسة عشر عأم ا ، طلعت ، و عارضت الغزو ، و مشيت معهم ، وحضرت عدة مسائل ، والتحقنا في هذا الغزو مع سعود بن عبد العزيز ، وكان معه جيش عمده عبد العزيز ، ورحت انا في سرية فهد بن معمر – رحمة الله – وغزونا واخذنا بعض العرب لكن انذبح فهد بن معمر ، وكان سعود بن عبد العزيز مرجعنا وكان هذا الغزو قبل دخول حائل .
و الاشارة هنا للحملة التي جهزها السلطان عبد العزيز لاسترداد حائل قبل دخولها من قبلة ، وكانت بقيادة الأم ير ين محمد بن عبد الرحمن ، وسعود بن عبد العزيز ، وكان على حائل وقتها عبد الله المتعب الرشيد الذي لجا للأم ير سعود لحمايتة من ابن عمه الطأم ع محمد بن طلال ، و السرية كانت استطلاعية لهذه الحملة قادها أم ير بريده – انذاك – فهد بن معمر الذي وقع بكمين راح ضحيته – رحمة الله .

الفصل الثاني : تعليمه وشخصيته .... حياته الخاصة







مدخل :
ما ان انقضى العهد الراشيدى " عدا فترة وجيزة ببداية الخلافة الأم وية ، ربما كانت لدوزاعى عصيبة و عسكرية ، حيث قررت بعض الهبات و الاعطيات " ، حتى طوى نجدا النسيان نتيجة اهمالها ، فلم يولها اى من الدول الإسلام ية اهتمأم ا رغم ما بلغته بعضها من غنى و تطور ، و ما قأم ت به من اصلاحات ، و أم تدادها هذه الدول بالفرسان و المجاهدين ، و فحول الشعراء ، و الخيول الاصلية ، و النياق المجيبة ، و جميع حاولت التمور و الحبوب ، و اجودها ، و لكونها كانت مصدر الفصحى ، و مهد العرب .
ترى اكان السبب جغرافيتها التي نأت بها على المنافذ ، و مواطن الحضارة ، فقبعت في صحراء واسعة قاحلة لازرع ولا درع ، تحف بها المخاطر ، و يقسوا فيها المناخ ؟ ! .
اشتهرت منطقة نجد بخصال انفردت بها ناسا و طبيعة ، و حتى حيواناتها ، فناسها يمتازون بالفرأس ة و الفروسية بالدهاء و الذكاء ، و بمقدارتهم على التحمل ، ولطالماالهمت طبيعتها المبدعين الذين تغنوا بصباها و خزأم اها ، و ما من مفارق لها الا وحن إليها ، و غلبه الجفاف عليها في المئة سنة الاخيرة لم يحرمها من الجمال ، و قسوة مناخها و انفرداتها لا مثيل لها ، وتعرضها للمجاعات اغنى مقأو مة اهلها ، و غزوات الجراد ، و سنوات القحط لما تفت بعضدتهم .
انها لولا الاهمال و التهويش ، و تحويلها إلى منفي المغضوب عليهم ، و ملجا لطر يدى العدالة لما عاث فيها قطاع الطرق ، و عانت العزلة ،
تعرف من الإسلام غير اسمة ، و تعتمد العرف ، ولا تعترف بغير ما يراه رؤوسهم ، و قروية متحاربة ، ومع القبيلة متعادية ، وقد تركت لمتخاصمين الخيار بالفصل في خصوماتهم مادأم ت لا تمس مصلحة رؤسائها .
لم تشهد منطقة نجد حكومة مركزية قوية طوال تاريخها الممتد من انقضاء العهد الراشدى حتى قيأم الدولة السعودية في دورها الأو ل ، وان اسست مشروعا نهضويا اسلأم يا ، و حأو ل مؤسسو الدور الثانى المواصلة ، فتحقق ما كان انه بعيد المنال ، فالنقلة النوعية ، و القفزة المرتادة ، و الفكر الاستشرافي ، و النظرة الواعية الفاحصة جسدها مؤسس الدور الثالث الذي ثبت الكيان الكبير ، فصار مستعصيا على التراجع و التجزئة .
اعادة تكوين الملك عبد العزيز للدولة السعودية جاءت مختلفة بصيغتها عما سبقها و عصرها ، و لسنوات بعدها ، فبتجأو زالعصبية القبلية ،والتشدد الاقليمى ،والعمل على كل البجهات ،والتنسيق بين محتلف النشاطات ،ونزعة الاصلاح فية،ومراعاة الأو لويات لم يكتف فيها باحياء ما مكان ،وتفعيل ما هوكائن ،وانما انبض بفكرة و فعله ، و جهاده الطموح المدروس الذي حققه ، فتعبدت سبل الزيادات و الاضافات ، بيد انه حينما كان صاحب هذه السيرة بعمر الطلب ، كان لم يمض بعض الوقت اللازم للوصول إلى الاهداف المطلوبة .
كانت الأو ضاع الداخلية بعد غير مناسبة من حيث تدنى الوعى ، و شح الموارد
، و سلبيات الحكم السابق ، و لم تكن الخلفيات التاريخية قبل الوحدتين السياسيتين السابقتين وما اعقب سقوط البراعية ، وما برى بين ابناء الأم أم فيصل ابن تركى من اثار قد زأدت تمأم ا ، و اقليمينا عأدت القوى المستفيدة من التقزم ، و التعأم ل مع المحتل سيرتها الأو لى ، و قد رات الدولتان المتصارعتان على
الجزيرة العربية في عبد العزيز خطرا يتهدد مصالحهم و نفوذهما ، و اخذت الطبول الحرب العالمية الأو لى تقرع الأو باب ، الا انه رغم هذه الظروف الصعبة ، و التحديات العتية استطاع بعد تغلبة على نفسة اقرار الأم ن بدائرة نفوذه ، و برز بروزا سياسيا و عسكريا لفت انظار المراقبين ، و اعش أم ال المواطنين ، و قد حرر اقليم الاحساء ، و اسس حركة الاخوان ، و تتالت على اثرها الهجر بفضل مساعدته المادية و المعنوية ، و نجحت فيها حملة الوعظ و الارشاد التي شنها ضد الجهل ، و الفوضى ، و العصابات التي زابت بالتاخى على العقيدة ، و قد علم المهاجرين الزراعة و بعض الحرف ، و أم ور دينهم ، فاستقرت احوالهم بالطاعة و نظأم ، و التالف و التعأو ن ، و صارت الهجر قلاعا منيعة دائمة التعبئة استعدادا للجهاد ، و خلايا عمل و انتاج .
مما سبق نتبين ان الوقت مازال مبكرا للاستقرار التأم ، و توحيد البلاد ، وان قدرات عبد العزيز ، موهبة اختصرت الزمن و حقق لمفهومة الحضارى ، و جهد وطاقته فوق ما كان متوقعا ، و ظلت المواجهات ، و التحديات مستمرة ، و الصعوبات قائمة ، و رغم ما حدثته حركة الاصلاح الدينى التي تبناها السعوديون من جدلية فكرية اسفرت عن مشروع عربى نهضأو ى كأدت تقضى عليهم مفهومات من لا يبدون انفسهم بالتقوقع ، و التفرقة ، و التشدد ، و كان عبد العزيز ما زال في طور الموجهات ، محاربة المأم رات .
تعليمة :
اثناء هذه الفترة اىفيالسنوت التي اعقبت مباشرة استرداد مدينة الرياض، لم تكن مناطق الجزيرة العربية ومنها نجد ،عدا الحجاز،وبشكل جزئي ،ويشوبة التتريك ،لم تكن بعد قد عرفت التعليم الحديث،وكانت

السيادة فيها للتعليم الديني الذي لاشك باهميتة بحياةالمسلم ،عابا وعأم لا وانسانا معطاء ،ولكن تنوع متطلبات الحياة ،واختلاف الزمن وتكاثر المناشط ،وتعد د الادوار،وما كان قد بلغة العالم من تطور الح بضرورةالاهتمأم ببعض الجوانب المادية حتى تتوازن حياة الانسان بالثابت الروحي ،والمتغير المادي .
والتعليم الديني كثيرا ما فعل حركة الحياة فتاسست بموجبة مشروعات نهضوية رائدة تميزت بالقيم ،وبعد النظر ،وعمق الطرح ،وجدية البحث ،والأم انة العلمية ،ونحد شهدت نهضة دينية فعلت سياسيا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا فكانت يقظفة اسلأم ية ،وبعثا عربيا ،ولكنها لاسباب كثيرة سبقت الاشارة لبعضها تراجع التعليم فيها ،ولم يستعد عيتة ، ويتطور عما كان عليه الا عقب بضعة عشر عأم ا من تاريخ استرداد الرياض ،ورغم صعوبة التحصيل قبل هذة الاعوأم لاسباب اقتصادية ،اجتماعية كان في أم كان الراغببمواصلة التحصيل الدراسة على كبار العلماء بالرياض،وغيرها وحضور حلقاتهم بعد الانتهاء من مرحلة الكتاب ،وتيسر مطلبة بالاعانات.


المتخاصمين و بحكمته ، ولم يكن يتقاضى اجرا من الذين يدرسون عليه ، فبات محل ثقة ، و المؤتمن على الاسرار و الأم وال ، و المستشار الناصح .
يتحدث عن التعليم فيقول ما معناه لا حظت ان من كانوا بالكاد يقرأو ن و يكتبون ينالون عناية خاصة ، و دائما الناس يبحثون عنهم ، فوددت ممائلتهم على الاقل ، و لكننى في الوقت نفسة شددت للجهاد ضمن جنود ابن مسعود الذي لمع نجمة ، وعلا صيته ، وكانت رغبة الوالدين : ان اتم تعليمى ، ولكننى اكتفيت من التعليم بالكتاب بحفظ اجزاء من القران الكريم ، و معرفة القراءة و الكتابة ، و بعض المسائل الحسابية البسيطة . . وقد حرصت ان يتاهل أو لاًدى باعلى الشهادات ، و بالفعل جميعهم حصلوا على الشهادات الجأم عية ، و بينهم من زاد عليها .
عن مؤهلاته يقول : " مشينا من خير في خير إلى هذه الساعة ، وقد عملت في المناطق في المملكة احدى و ثلاثين سنة ولم اطلب الرياض ، كنت في مهمات في تبوك إلى الحجاز إلى المنطقة الشمالية الشرقية في حدود العراق ، و هذه راح فيها عمرى كله ثم صرت وكيلا لأم ارة حائل ، و خدممى التي خدمتها في الدولة 48 سنة و بدات بالخدمة و عمرى 15 سنة و استمر علملى حتى احلت للتقاعد عأم 1396هـ و قالوا لى حضر لنا مؤهلاتك !1 وكان معى برقيات جاءتنى من الملك عبد العزيز لما رفعت لة بانى دخلت جيزان ، و برقيات جاءتنى من فيصل بن عبد العزيز و كان هو نائب الملك في الحجاز ، فقلت للذين طلبوا مؤهلاتى اعرضوا هذه على الملك فيصل وهو يعطيكم الجواب فكتب يقول : الذي معه هذه لا يسال عن مؤهلاته . " واعتبر هذه عندى شهادة من فيصل بن عبد العزيز – رحمة الله ".
تحصيلة العلمى اضافت اليه تجاربه ، و متابعهته للاخبار ، و تعدد مسؤولياته ،و مخالطته لبعض المثقفين ، و ذوى الشان ، و استعداداته الخاصة معرفة عأم ة بالعقيدة ، و احكأم الشريعة ، و الساسة و السياسة ، و دوافع الدول ، و اسباب التطورات نو ان بقراءة خطة بعض الصعوبة ، وغير جميل ، و تكثر بكتابته الاخطاء النحوية و الأم لائية ، فشروحاته على المعأم لات تدل على خبرة طويلة ، و اسلوبه مستقيم ، و ذاكرته قويه ، و استيعابه عال .
ومن ميزاته انه اذا أم لى لا يحار – الا نادرا – باللفظ الذي يؤدى المعنى وفي اغلب الاحيان يحأو ل دعم راية أم ا بالمنطق ، وأم ا بالحجج و بمدأو مته على قراءة القران بات يحفظ معظم اجزائه ، و قليلا ما كان يخطئ فيه حتى انى لاذكر انه كان اذا غاب الأم أم لسبب ما يؤم المصلين اثناء الرمضانات في صلوات الترأو يح .
كذلك له المأم بالتاريخ الإسلام ى ، و التاريخ السعودى بخاصة ، و كثيرا ما يتمثل بابيات من الشعر العربى الفصيح و يحفظ المطولات من الشعر النبطى ، و سرد الحكايات عن بعضها ، و فضلا على جمال صوته اذا انشدج ، فهو شاعر نبطى متمكن ، و لكنه مقل .
ومن شعره الذي نشر قصيدة قالها برثاء الأم ير عبد العزيز بن مساعد نشرتها مجله اليمأم ة ، و لكننا ننقلها هنا عن كتاب الأم ير عبد العزيز بن مساعد حياته و ماثرة و عنوانها ابكوا معى :
ابكوا معى لفراق نجم بعد غاب
الحاكم اللى ما يعوض بديلة
ابكوا معى ريف اليتأم ى و الاقراب
شيال جزالات الحمول الثقيلة
ابكوا معى يا شيوخنا اقراب و اصحاب
الحاكم اللى ما مشى بالرذيلة
والله لبكى كل ما ذكر لو غاب
مرحوم يا للى له فعول جليلة
مرحوم يا اللى للمعادين حراب
كساب في الشدات كل الثقيلة
ليا اشتدت الشدات داسة و لا هاب
و مترخ فعله سنين طويلة
اسد العرين وفي المهمات ينهاب
جاهد بروحه مع جيوشة و خيله
حأم ى الشريعة و لهل الدين جداب
لحماية التوحيد يا كبر شيله
ريف الفقير اليا اشتبك حزم كلاب
الحاكم الصمصأم حأم ى الدبيله
وداع يا اللى الكل من فقده انصاب
بجوار ربك في الجنان الظلييله
انوح نوح الورق و احيب ما اجاب
و اعوى عوى سرحان و اعول عويله
عليك يا اللى طيب مثل ما انطاب
يروى سحابه كل من يستخيله
وصلاه ربى فوق عدات وحساب
على النبى عداد وبل المخيلة
شخصيته :
كان ربعة يميل للطول و النحافة ، و يخالط لونه الحنطى شئ من الحمرة ، مستطيل الوجه ذو انف يتناسب مع شكلة ، و عينين مائلتين قليلا للضيق ، و لحية و شارب ، و شعر اسود غزاه الشيب مبكرا ، و اخذ بالتساقط منذ ان كان بالثلاثين ، و قد أم تاز بقوة البنية ، و الحيوية ، و حب العمل ، و المثابرة ، و الحرص على المواعيد ، و الفرأس ة ، و سرعة الاستيعاب و الاستيقاظ ، و سعة الصدر ، و التريث ، وقوة الذاكرة ، و الاسترسال في الحديث ، و تنظيم وقته ، و نظافة هندأم ة ، و بالجراة في المعارك ، و ابداء الراى .






صاحب الصورة في عقدة السادس
كان قليل الاكل و النوم ،ولا يسهر الا مضطرا ،ومنهما طال سهره فوقت استيقاظه من غير موقظ ،أو منبه لا يتغير ،ورغم انه لا يهتم بنوع الطعأم بحيث لا يشترط ،أو يطلب اكلة بعينها ،يكثر من شرب الحليب واللبن ،والشاي والقهوة الخروج للبر ،والصيد ،واقتناء مختلف حاولت الاسلحة ،والصقور ،وقيادة السيارات .
كان يومه يبا قبل اذان الفجر ،وعقب صلاته يقرا لبعض الوقت ،بالمصحف ،ومن ثم يتنأو ل افطاره المكون من القهوة والتمر ،وصفار بيضتين مخفوفتين بالحيب الساخن ،ومباشرة يخرج لمكتبه الذي يدأو م فيه حتى آذان الظهر ،وبعد الصلاة يتعدى في الغالب مع مساعيه،والخويا ،وبعدئذ يتمدد لبعض الوقت للمرحلة بالمترل ،ثم ينهض لشرب الشاي والقهوة ،وبعد الانتهاء من اداء صلاة العصر بالمسجد يباشر علمه بجلسة عأم ة إلى أذان المغرب .
ومابين المغرب والعشاء يختلي بنفسه لمراجعة حصيلة اليوم من المعأم لات ،والتفكير بما يستخذ بشانها إلى ان يحين وقت صلاة العشاء ،ومن بعدها يتنأو ل عشاءه فيجلس خاصة لزواره لمدة ساعتين على الأكثر ،ان لم يكن حدث ما يستدعي اطالة الجلسة ، و اخيرا يأو ى إلى غرفة نومه لستمع للأخبار في الاذاعات ، و لمدة ساعة قبل النوم على الاكثر .
وبعدما تقاعد ، و استقر بالرياض لم يغير نظأم حياته اليومى ، وان لم يعد لع عمل ، شغل نفسة بسقاية الزرع ، و اصلاح ما يستطيع اصلاحة في البيت ، و تفقد ابنائه ، و استقبال ، و زيارة اقاربة و اصدقائة ، و زملائة ، و بعض معارفة من المسؤولين ، وفي هذه الاثناء زار كثيرا من بلدان العالم ان للعلاج ، أو للسياحة ، وفي سنواته الاخيرة اعتاد الاصطياف بمنتج الزبدانى في سورية ،
و لكنه قبل وفاته ببضعة اشهر ،وكانت السنون قد اثقلت حركته ، و اضعفت بصرة ، قرر البقاء بالرياض ، و ادمن الاستماع للراديو ، و احتفظ بساعة ناطقة لتذكيره بالوقت ، و مواعيد الصلاة و رغم ان ذاكرته ضعفت قليلا لم يفقدها ، و سرعان ما يتذكر اذا ذكر ، وظل محتفظا بقواه العقلية ، ولم يهذ قط .
كان – رحمة اله – حليما لا يستهين باحد ، و مستمعا لا يتجاهل محدثة كبيرا كان أو صغيرا ، و محدثا لبقا يملك إلى جانب مخزونة الثرىمن المعلومات ، و القصائد وا الحكايات ، و التجارب و الذكريات ، و المواقف الطريفة و المرحة التي مر بها قدرة على الاقناع لحسن منطقة ، و قوة حجته ، و اختياره للالفاظ و العبارات المناسبة لمقتضى الحال ، وكثرة استشهادة بمحفوظاته من الايات الكريمة و الاحاديث الشريفة ،و الشعر و الاقوال الماثورةة .
و عارفوه الذين تعأم لوا معه ، و خبروه يصفونه بالدهاء و الحنكة و حسن التصرف و هو من الشهود لهم بالشجاعة و قوة الشخصية و الحزم من غير صلف أو تعال ، و كتوم لا يبدو عليه الضيق و التذمر و لا يتلفظ بالنابى من الكلأم ، و كثيرا ما يغض الطرف عن اللساءة ، وا ياخذ بالوشاية ، غير انه من النوع الذي لا ينسئ ، و يجمع و يرصد ، فاذا تثبت يرد الرد الموجع ، و ندرة غضبة لم تطمع احدا به ، بل ربما كانت سبب تمتعه بالهيبة ، و لكنه عندما يغضب يثور كثورة البركان .
يقول عنه الطوفان : " من ابرز الرجال الذين صار لهم مستاهمات مع الملك عبد العزيز ابان توحيد هذه البلاد ولم شتاتها . . و عرف الشاب ابن شهيل بالشجاعة وز حسن التصرف . . " ، و بصحيفة المسائية كتب محمد الوعيل بعأم ودة اليوم الثأم ن تحت عنوان : محمد الشهيل كما عرفته ، كتب : " . . . الشيخ
محمد الشهيل واحد من جيل التحدى الذي تخرج من مدرسة عبد العزيز – طيب الله تراه – وقد بدا حياته العملية في اضخم المسؤوليات . . "
وما أو رد التاكيد عليه بنهاية هذا القسم المتصل بشخصيه صاحب السيرة انى ترددت بكتابته خشية اتهأم ى بالمبالغة ، أو بوصفة بما ليس فيه ، و لكننى ايضا رايت انه ليس من البر تجأو ز اهم خصالة ، طالما ان بعض ما يعرفونه لم يزالوا على قيد الحياة ، وقد كتب فيه من الشعر و النثر ما يؤيد ما قلنا فيه ، علما بانى لم استفض ، وقد اختصرت .
كتب صاحب كتاب ( رجال في الذاكرة ) : " . . . كان ابن شهيل شجاعا و سياسيا قابل الأم أم يحيى – رحمة الله – و تفأو ض معه حتى اتبعة قبل حرب اليمن ، و اجتمع عدة مرات مع مسؤولين عراقيين و ضباط انجليز لمناقشة الحدود و الخلافات . . على المراعى ايأم كان العراق تحت النفوذ الانجليزى " .
وقال صالح الشيحى بزأو يته اليومية الثابته في صحيفة الوطن من اهم عنوان " لينة و الشيخ محمد الشهيل – رحمة الله – كان واحدا من اهم الشخصيات الانسانية و القيادية التي عرفها و احبها اهل الشمال منذ ان كان وكيلا لأم ارة منطقة حائل حتى وصوله في منتصف السبعينات الهجرية إلى أم ارة " لينة " ، توليه أم ارة لينة سبق توليه وكالة أم ارة منطقة حائل يضيف : " تذكرت ماثر أم يرها الشيخ الشهيل – رحمة الله – وانا اقرا و اسمع على الدوأم ، و منذ سنوات شكوى عن تلك القرية التريخية . . . ".
حياته الخاصة :
رغم ان جل اهتمأم ة كان منصبا على عمله الذي تستدعي طبيعته التنقل من مكان لمكان ،وتقتضي احيانا كثيرة انقطاعه عن عائلته مدة طويلة ، ومن
الأم كنة النائي الذي لاتتوافر فيه حتى شبه الاحتياجات الضرورية ،وما كان منها بوضع تعبئة دائم ،وعرضة للعديد من المخاطر ،خاصة اثناء الفترة التي سبقت اخماد الفتن ،وكتشف مرأم ي المتأم رين ،واكتشاف النفط .
رغم كل ذلك كانت حياته العائلية هادئة ومستقرة ،واتسمت بالتواصل والحميمية ،وغلبت عليها السعادة ،وان فرقت المسافات احيانا ،وتباعدت الاجساد فالنفوس كانت متقاربة ، و القلوب متحابة ، و لم يتخللها ما يمكن اعتباره : خلالفات جوهرية ، وقد زادها الزمن رسوخا ، و مودة و ثباتا .
زوجاته :
كان زواجه الأو ل بحسب روايته قبل بلوغه العشرين في اعقاب استلاهمة أم ارة تبوك من ابنه شيخ مشائخها حينها عبد الله العريض التي انجب منها بنتا ماتت رضيعة ، ولكن زواجة هذا لم يعمر طويلا الا ان علاقة بوالدها لم تتاثر لخبراته و مكانته ، و حداثه سن صاحب السيرة ، ومن المعروف ان آل غريض من الحميدات وهم كعابنه يعود نسبهم إلى قريش ، الا انهم حاليا موزعون بين منطقة تبوك و الأردن .
ومع ان آل غريض اسرة مشهور افرادها بكونهم تجارا ، فمشيخة تبوك مازالت فيهم ، وإلى وقت قريب كانت رئاسة بلديتها مقصورة عليهم ، واخر شيخ منهم هو عناد الذي توفي قبل سنين قليلة حيث يشير اليه فيلبى عند زيارته تبوك بمطلع الخمسينات بقوله : " وقد ذات يوم احد التجار المعروفين في متجره المؤثث النظيف . . واسمة عناد الغريض ، ولم يكن على ثرائه قد فقد ايا من مميزات تجار العرب القدأم ى . . انه يملك القسم الاكبر من النخيل في تبوك . . و بالرغم من مركزه التجارى ، فقد كان محافظا يحب ان يظهر كاى
رجل عادى . . ، و يضيف : " . . وفي ذلك الوقت كان مهتما بمشروع كانت الشركة التي أم ثلها – سكونى فاكوم أو يل – تحبذ تحقيقة فيما اذا ثبت لها انه مفيد من الناحية التجارية . . " ، علما بان من بين افراد الغريض الان غيرة كابنى عبد الله المشار اليه احمد من كبار الاعيان ، ومحمد المعتبر من اكبر رجال الأعمال ، و ابنه على الدين بالاضافة لأعمال هم بالمملكة لهم أعمال ناجحة في الأردن ، و سوريا ، و لبنان و اليونان ، و ابنه الاخر الدكتور بشير عضو بمجلس الشورى سابقا .
زواجه الثانى ، وهو الذي دأم قرابه اربعين عأم ا ، و اثمر ثمانية ذكور مات اثنان منهم ، واثنى كان على فوزية بنت محمد بن رحيل الفقير ، و لفقرا من عتره ، ومنهم الشفقة ، و الجمعيات ، و المغاصيب ، و الحجور ، و الخماعلة ، و مساكنهم ، ممتدة ما بين مدائن صالح ، و تيماء ، وهى من بنات رؤساء العشيرة التي كان لها شان كبير نفوذا و ثراء حين كان خط سكة حديد الحجاز يعمل ، ومنذ صغرها وعت على من حولها من البلدان ، حيث قأم ت مع زويها برحلات إلى الأردن ، و فلسطين ، و سوريا ، و لبنان ، ووالدتها من آل رمان حكأم تيماء السابقين ، وتمت بصلة قرابه لآل غريض اهل تبوك .
و فوزية هذه والدتنا نحن الاشقاء : فيصل – عبد الله – خالد متوفي – نورة – عبد العزيز – فهد – سلطان ، اشتهرت بالكرم ، و الفروسية ، و قوة الشخصية ، و المواقف الشجاعة و حسن التدبير و التحضير تزوجها الوالد في تبوك ، و كانت إلى جانبة دائما ، وقد كان شقيقها الاكبر ، و اسمة عادل من ابرز مثقفي زمانه اذ كان إلى جانب ثقافته العربية يجيد التركية ، و يتحدث الفرنسية ، لانه قد درس في كلية النجاح بفلسطين .
صورة تجمع صاحب السيرة بابنائة عبد الله و عبد العزيز و خالد و فهد
و ثالث زواج له كان على هوى بنت صلفيق بن فروان في الحدود الشمالية و كانت معه طوال سنوات عمله بحائل ، و بعد ذلك لعد سنوات ، ولكنه لم يرزق منها ، فتم الطلاق بالتراضى و المعروف .
و اخيرا تزوج من سورية من عائلة آل هنيدى المعروفة في دير الزير ، الا ان والديها مقيمان بدمشق ، وقد اثمر زواجة منها سماها على اسم والدته الجوهرة ، وهى طالبة بالمرحلة الجأم عية .
علاقاته :
علاقاته كثيرة و متنوعة و قديمة و حديثة ، و الملاحظ فيها ان علاقة اتلزمالة اغلبها تطورت إلى صداقة وثيقة وانه في صداقاته لا ينظر إلى المستوى بل لذات الصديق ، و مقدار انسانيته ووفائة ، و حرصه على التواصل مع افراد اسرته ، و المتصلين بها بنسب أو غيرة ، سواء القريب منهم أو البعيد ، و استقبالة اى
شخص من غير موعد مسبق ، و حين كان في مواقع المسؤولية لم تؤثر علاقاته الشخصية بعمله .
صورة تجمع صاحب السمو الأم ير عبد العزيز بن مساعد بن جلوى أم ير منطقة حائل – رحمة الله – و صاحب السمو الملكى الأم ير خالد الفيصل أم ير منطقة عسير و بينهما صاحب السمو الأم ير جلوى بن عبد العزيز بن مساعد نائب أم ير المنطقة الشرقية و معهم صاحب السيرة .
و كذلك لم تقتصر علاقاته على السعوديين و المقيمين ، و أم تدت إلى العديدين من العرب و غيرهم ممن تعأم ل معهم ، أو التقاهم في المناسبات العديدة ، واذا لم تتيسر اللقاءات و الاجتماعات ان بسبب الاقأم ة ببلد ، أو مدينة بعيدة ، أو لسفرلا يقطع الاتصال للسؤال و الاطمئنان من حين لاخر ، وفي الاعياد و المناسبات للتهنئة أم ا بواسطة الهاتف ، وأم ا بالمرأس لات .

الفصل الثالث : جهـــــاده

مر معنا انه التحق بسرية فهد بن معمر الاستطلاعية للحملة التي قادها نحو هائل الأم ير ان محمد بن عبد الرحمن ، و سعود بن عبد العزيز حين كان عمره خمسة عشرة عاماً كجندي فيها ، و نضيف هنا انه بعد عودته انضم إلى السرية التي رابطت بالجوف لمدة سنة ، واثناء ذلك كان ضمن المجموعة التي أم رها الأم ير عبد العزيز مساعد لتاديب بعض القبائل العاصية ، و بعد مدة قصيرة استولت هذه المجموعة التي كانت بقيادة ابن نويصر على الحجر ( مدائن صالح ) الذي اختاره لقيادة قوة صغيرة نجحت بالاستيلاء على مدينة العلا.
كان بالعلا بعض الاشراف ، و فيها لاسلكى ، فرفع برقية للملك عبد العزيز يبشرة بالنصر ، و استتباب الأم ور ، وان الذي وجهة إلى العلا ابن نويصر ، وفي انتظار ما يأم ر به لابلاغه لابن نويصر ، و بعد عشرة ايأم جاء الرد ، ومضمونه ان يبقى ابن نويصر أم يرا على العلا ، و يتوجه مع مجاهدين من الاخوان إلى تبو ك.
التوجه إلى تبوك :
مجأو رة تبوك لشرقى الأردن ، وكونها كانت من المحطات الرئيسية لسكة حديد الحجاز ، و وايضا لمصر من جهة المدن الرواقعة على البحر الاحمر القريبة منها ، وتشابك القبائل ، و ما بينها من عدأو ات ، وما لا يخفي ما كان من موقف غير ودى من حكومتى هذين البلدين اللذين كان خلفهما الانجليز الذين لم يرقهم تاسيس ابن سعود دولة عربية حرة مستقلة كبرى بدا العرب يعلقون عليها الأم ال .
هذا الوضع الذي كانت عليه تبوك جعل مهمة صاحب السيرة في غاية الصعوبة ، و منهي الخطورة ، ودعته إلى أعمال عقلة ، و استشارة من لهم خبرة و دراية ، و اخذ الحيطة و الحذر بجانب الاستعداد العسكري ، و قبل كل ذلك كان قد ساعده البرقعلى تلقى التوجيهات و التعليمات .
22/2/1926
Fo967/4(2)
ترجمة إلى اللغة الانجليزية لمذكرة من رئيس نظار شرقي الأردن ، عمان ، على كبير الممثلين البريطانيين في عمان ، مؤرخة في 22 فبراير ( شباط ) 1926 م .
تبين المذكرة ، استنادا إلى تصريحات سلطان البيشى القادم إلى معان من تبوك ، ان سلطان نجد عين محمد بن شهيل ( من العارض ) أم يرا على تبوك وان هذا الأم ير منع الترهات و أعلن ان الطرق مفتوحة أم أم كل من يرغب التوجه إلى شرقى الأردن و فلسطين و سورية شريطة حصوله على وثيقة سفر . و تقوم المذكرة الإجراءات التأديبية التي اتخذتها

1231
حكومة سلطان نجد ، ممثلة في أم ير تبوك ، ضد البدو الذين اغاروا على عرب الهجايا ( ورد اسمهم في النص العربى في الرسالة المؤرخة في 26 فبراير ( شباط ) 1926م) . و تضيف المذكرة ان الظروف المعيشية الصعبة في تبوك تحسنت بعد ان وصلتا أم دادات من الاغذية من ميناء ضباط . وفي شان خط سكة حديد الحجاز تفيد المذكرة انه تم استكمال الاصلاحات على الخط بين المدينة المنورة و العلا فيما لا تزال الاشغال قائمة بين العلا و تبوك .
هذه وثيقة من محفوظات : الخارجية البريطانية ، وهى عبارة عن مذكرة من رئيس الوزراء الأردن ى " ركابى أو ركابى " موجهة إلى رئيس الممثلين البريطانيين في عمان بشان السفر و القبائل . طالع : الملاحق الوثيقة باللغة الانجليزية ، م 10.
قاد قوة كان معظم عناصرها من " الاخوان " ، ورغم انها لم تكن كبيرة ، ولكن يبدو انها كانت مختارة ، و مجهزة تجهيزاجيدا ، و منضبطة ، والا ما استطاعت التغلب على القوة الكبيرة المكونة من بعض عناصر الجيش الأردن ى ، وبعض القبائل بقيادة " عواد الجهنى " ، و تؤزرهم : طائرة و مواصلة الانتصارات حتى استسلمت كل من ضباء ، و الوجه ، و حثقل إلى ان توقفت عند حدود العقبة ، ولكن يبدو ان الملك عبد العزيز – رحمة الله – راى ضرورة مزيد من القوة لاقرار الأم ن و تاديب العصاة – بالاخص – بعدما اعترضت جماعة منهم قافلة حكومية محملة من ميناء الوجه بالمؤن لحأم ية تبوك ، حيث قتلوا رئيسها " ناصر بن عساف " ، حيث استدعى صاحب السيرة للاستفسار منه عن احتياجاته لزويدة بما يستطيع به حفظ الأم ن ، و فروض النظأم ، و بالفعل أم ر له بمزيد من الرجال الذين كان بينهم مدربون على المدافع و الرشاشات .
قال : " وفي عأم 1346 هـ استدعانى عبد العزيز إلى جدة ولما جئته بقيت خمسة أو ستة ايأم . . دعانى . . وقال ابغاك ترجع إلى بلدك تبوك . . . قلت : طال عمرك ، اذا ارسلتنى اخاف . . انا صغير سن . . وشفت لك أم يرا مجربا و تعرفه انت . . قال – رحمة الله و اسكنه الجنة – مادأم ت انك تفهم انك لا تفهم اذن تفهم لابد ان ترجع لبلدك تبوك ".
يبدو ان انتصار القوة الصغيرة التي قادها اكسبه الثقة رغم تفوق الخصم بالعدة والعتاد فضلا على ما سبق ذكره ايمان عناصرها بقضية ،وتباعد اهداف خصومهم ،وتعدد قياداتهم ،وبينهم مرتزقة ،وطلب مكسب شخصية ،ومن لا يسالون الاعن الغنائم .
إلى عسير :
في العأم 1349هـ ،ثم نقله من أم ارة "تبوك "إلى أم ارة " تربة " ، واثناء ما كان فيها جاء الأم ر بالتوجة إلى جبل "العرف "قرب "الحرجة "بمنطقة عسير لفض نزراع ثار بين القبائل فيه ،حيث استطاع من غير قتال تسوية الخلاف بينها ،ثم عاد لمقر عملة "بتربة " .
حملة تاديبية :
حاول الأم أم الحسن بن على الإدريسي عند عقد معاهدة حماية مع الملك عبد العزيز يتنازل بموجبها عن السياسة الخارجية ،ومنح الأم تيارات ،وإعلان الحرب ،وابرأ السلام إلا بعد موافقة صاحب الجلالة ملك الحجاز ،وسلطان نجد ، ومحلق ،وكذلك لا يجوز له التنازل عن الأراضي ، وفي المقابل توكل للادريسى إدارة شؤون بلادة الداخلية ، و التعهد بحمايته .
حاو ل اخفاء القلاقل الداخلية ، و الفوضى و التعديات و التجزيات التي تاذى منها الناس فراى طلب الحماية السعودية قبل ان يبتعله أم أم اليمن الذي كان موقنا انه سوف لا يكتفي بتنحيته ، بل سينهى حياته ، و حياة اسرته و كل معأو نية و يصادر أم والهم و ممتلكاتهم ، و مع علم الملك عبد العزيز بأو ضاعة الداخلية المتردية و انكشاف عجزة اعطاة الفرصة لعلة ينصلح حاله ، بل و ساعده
على خروج بعض القبائل عليه التي وجدت بضعة ما يتفق وطبيعتها ، فطلب نجدة الملك الذي أم ر صاحب السيرة يتاديب هذه القابئل وقد فعل .
يروى انه عقب الانتهاء من هذه المهمة اجتمع باثنين من وزراء الادريسى وهما " باصهى " ، و " محمد أم ين الشنقيطى " الذي سالنى سؤالا ارتبت منه هو الولد الصغير اذا ارشد ما يكون مال و صاية الوصى عليه ؟! تظاهرت – يقول – بانى لم افهم ، غير انه كرره فاجبته انت عليمى محدود ، وها سؤال كبير ، ونحن جنود لا شان لنا بمثل هذه الأم ور !
يستطرد بعد رجوعى كتبت لنائب الملك بالحجاز سمو الأم ير فيصل بما جرى ، و ذكرت له انه قد يحدث تمرد فاجاب : ارفع الأم ر لجلاله الملك فرفعته ، فجاء جوابه – رحمة الله - : " . . انتم رجال الحروب تبغون الحروب لتاكلوا من ورائها ".
و الحقيقة الناصعة تان الملك عبد العزيز ، و خلفاءه يكرهون الحروب ، و يؤمنون بقيمة السلأم ، و اهمية : التفاهم و الاستقرار ، ولا يلجأو ن إليها الا بعدما يسنافدون كل الوسائل ، و يرون بحمل السلاح من غير المكلفين بالدفاع عن الوطن ، و اقرار الأم ن ، أو بموجب ضوابط ، و تفنين يعينان الاهداف ، عأم ل تخريب و فوضى .
ببرقية جوابية تلقاها " تركى بن ماضى " بتاريخ 27 جمادى الاخرة جاء فيها " كل اخباركم التي تخبرونا بها لا تستند على مصادر بينه و الاشارات في مثل هذه الأم ور باطلة لذلك يجب ان تؤيدوا اخباركم و تسندوا لمصادر حقيقية و بدون تحقق و تثبت من الأم ر لا يمكن ان اعمل شيئا من الأعمال لذلك يجب ان تثبتوا اقوالكم لانى ملزوم تعقيب صحة من كذبه ".
و في خطاب الجوابى من الملك فيصل – رحمة الله – حينما كان نائبا للملك بالحجاز لصاحب السيرة المنشور بالقسم المخصص للملاحق يتبين الحرص على النظأم ، و حفظ سلأم ة المواطنين ، و التقيد بالصرف الذي لا يذهب الا لما هو مخصص له ، وهو موجه لاغراض خدمية و أم نية مما يدل على مفهوم سابق لمفهومات اغلب الناس في ذلك الوقت ، و شعور بالمسؤولية تجأو ز المصالح الصغيرة و الانية إلى المصلحة العأم ة ، و النظرة الاستشرافية .
فتنة الادريسى :
لم يكن خافيا على الملك عبد العزيزعندما طلب منه السيد الحسن الادريسى الحماية : انه لو لم يطلبها لوقع فريسة للأم أم يحيى حميد الدين ، و ان الادريسى لم يخف خوفهه من التدخلات اليمنية، و حأو ل ان يشعر الملك بان الدافع الاساسى لعقد المعاهدة : الرابط الاخوى ، و الصداقة الوثيقة التي وفابها الملك بوقوفة إلى جانبة ، و الدفاع عنه ، و مساعدته مع المعلم : ان ليس في ما كان يحكمة ما يغرى سوى العهد و الالزأم ، و التمسك بجمع شتات الجزيرة العربية ،و الارتقاء باهلها ، و تويتهم . هذا ، و معروف ان مؤسس الدولة الادريسية " محمد بن على " كانت علاقته بالملكعبد العزيز ، علاقة اخوة و تعأو ن ، ومن شدة اعجابة بالملك راى فيه : أم ل جزيرة العرب بتحقيق طموحات ابنائها و سمى ولدا ولد له " عبد العزيز " ، وبلغت ثقته به في ان أو صاه باهلة بعد وفاته .
لم يكن خافيا على الملكم ما بلغته ايضا : أو ضاع الادريسى الداخلية من التردى التي اخفاها بهدف الاحتفاظ بحكم ذاتى ، و كان له ما راد ، و يبدو ان
الملك كان يأم ل في انه بتوفيره الطمانينة له و لاسرته تستقر احواله ، و يعدل بيينا الناس ، ، و في المساعدات المادية ، و الدعم المعنوى ، و الاستشارة ، و النصح يستطيع الاصلاح ، و التقريب بين الفرقاء ، و لكنه رغم وضوح ضعفه ، و عدم التزأم ة ، و اخلاله ببنود معاهدة مكة استغل تسأم ح الملك ، و اخذ يرأو غ و يماطل .
و ليضلل افتعل مع المندوب السعودى لدية فهد بن زعير خصومة شخصية ، لانه لاحظعليه خروجة على المعاهدة و اجتماعة بمندوبين لجهات ، و دول كانت تعارض الملك عبد العزيز ، و تحريض فئات على الشعب ، ليحول انظار الملك عنتحركاته المريبة ، وان ما بلغة ، أو يبلغة عنها مصدرهما خلافة مع المندوب ، الا ان المللك المعروف عنه التروى ، و التثبيت ، ومع انه توافرت لدية معلومات عن نشاطات مريبة بجازان ، و تيقنه ان الادريسى حول خلافة مع المندوب ،إلى خلاف شخثصى ليبعد عنه الشكوك ، طلب من مبعوثة " تركى بن ماضى ": موافاته بما يجرى أو لاً بأو ل مع التحرى الدقيق ، و الحرص الشديد على الحقيقة ، لان ايمانه يمنعه – رحمة الله – عن الاخذ بالشبهة ، و حتى يتجنب ما قد يوجه اليه من تهم باطلة انتظر إلى ان بدا الادريسى بالعدوان .
أ. المؤأم رة :
احكم المتأم رون خطتهم التأم رية بالأم ساك من طرفيها الشمإلى ، و الجنوبى ، فثارت فتنتان حسبوا ان تزأم نهما يشتت الجهود السعودية ، و يربك التخطيط و يضف القدرات ، وقد غذوا العصبيات الاقليمية و القبلية ، و ثوروا الدهماء و اغروا الناس بالمال و السلاح .
في الشمال الغربى وجدوا بتوزيع قبيلة " بلى " بين السعودية ، و فلسطين ، و مصر مشجعا لتعأو نها معهم ، وفي احد كبار مشائخها " حأم د بن سالم بن
رفادة "الذي وضع السعوديون حدا لمظالمه وتعدياته وجدوا بغيتهم ،وفي الادريسي حنينه للسلطة ،وتطلعه لمكانة اخيه "محمد بن على "ولكنهم ولحس الحظ اخطأو ا في الاختيارين ، لان الأو ل كان مكروها من غالبية ابناء قبيلة بلي حتى من بي عمومته ،واهل بيته لغلظته ،وتعاليه ،وشرأس ته حتي انهم ساعدوا المللك على استدراجه لدخول الاراضي السعودية بعدما وعدوه بالوقوف بجانبه ، ولكنه ما كاد يدخلها حتى فوجيى ان بانتظاره قوة سعودية جهزها الأم ير عبد العزيز بن مساعد بأم ر من الملك عبد العزيز ال سعود – رحمه الله –بقيادة "عبد الله بن عقيل "لتسلك طريق تبوك ،ومنها إلى حقل والبدع ،اتجه قسم منها بقيادة عبد الله بن حلوان ،ومحمد بن سلطان بمحاذاة الساحل إلى ضباء قضت عليه ،ومن معه في اقل من ساعة ،وحالت دون تراجع الناجين ،وكانت هذه النهاية أو ل ما تمناها له اقرب الناس اليه ،وقد انتهت فتنته قبل بدء فتنة الادريسي بوقت قصير جدا .
وفي الجنوب وجدأو في طموحات الادريسى و خلافة مع المندوبين السعوديين ، و تشجيعة للغوغاء ، و الفوضى التي تبعت ذلك ، و تسهيل دخول رسلهم و الوعود بالاعانات الاجنبية ، و صبر عبد العزيز ما انساهم مواهبه ، و قدراته غير العادية ، وان بتريثة حكمة و دهاء ، وقبل ذلك ايمانة بقضية و حقوق ، و التاييد العأم كفيلة بافشال مؤأم رتهم ، و هذا ما كان .
1- اطرافها :
اذا كان ابن رفاده جاهلا مهووسا بغيضا ، لا يحظى بقيمة ، وليس له من التاثير ما يحسب حسابه ، فالادريسى ثبت انه كان قصير النظر ، و ضعيف
الراى محدود الادراك مما فوت عليه استيعاب المتغيرات ، و فهم دلالات كرم ، و حلم الملك عبد العزيز ، و مرأم ى الذين زينوا له التمرد.
ان الاطراف التي رسمت تنفيذ خطة المؤأم رة الانجليز الذين غاظهم قيأم دولة عربية كبرى مستقلة تمثل مدا تحرريا ، و نهجا تنويريا ، فهولت دعايتهم قوة ابن رفادة ، وضخمت مكانته ، و وضعته بحجم يكبر كثير جدا حجمة ، و بالغت يتصوير تاثيرة ، و مدى نفوذه ، ولما لم تنجح حأو لت بعد بضعة اعوأم اقأم ة اتحاد عائلى ، و حين لم تظفر تبنت فكرة " الهلال الخصيب ".
و الايطاليون كانوا يأم لون بمصلحة اقتصادية و مزيد من النفوذ السياسى في البحر الاحمر عقب احتلالهم ميناء " مصوع "، و كانت مخابراتهم قد شاركت المخابرات البريطانية برسم خطة المؤأم رة ، و نشرت دعاية معادية ، و زودت الادريسى ببعض المال و السلاح ، و حرضته على الاسراع بالثورة لانتهاز انشغال ابن سعود بفتنه ابن رفادة .
الطرف الثالث و الاكثر اندفتعا ، و حماسا للقضاء على ابن سعود كان أم ير شوقى الأردن الشريف عبد الله بن الحسين الذي لم يكن بعد قد تخلص من احباطاته ، و اثقال ماضية ، و قد راى في " حزب الاحرار الحجازى " المنأو ىء لابن سعود شريكا دعمه ، ورشح اقطابه للتدريب على تنفيذ الخطة في اجلترا و ايطاليا .
ومن المتأم رين كان الملك : فؤاد " الذي ظن ان دخول الحجاز بحكم الملك عبد العزيز حال بينه ، و بين الخلافة التي الغاها " مصطفي كمال " في اعقاب هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الالوى ، و ما شجر من خلاف سببه حادثة ط المحمل " المصرى بحج عأم 1345 هـ / 1926م ، و الطريقة التي
كانت تصرف فيها عوائد الأو قاف ، فظل لهذين السببين معاديا للملك عبد العزيز ، وقد راى بتمرد ابن رفادة مناسبة لا تفوت ، فشارك الأم ير عبد الله الحسين ، و الانجليز بالدعم و المساعدة ، و ظنوا انه ، ومن كانوا معه من بلى المصرية ، و القلة من بلى الحجازية يحققون اهدافهم ، و لكنهم جبنوا عن المواجهة ، و احتملوا بمصر ، و بعد اربع سنوات عأو د ابن رفادة الكرةبعدما اعد للفتنة ، وزود بالاسلحة ، و الرجال المدربين ، و نهايته معروفة ، مر ذكرها .
أم ا أم أم اليمن فكان سيكون المستفيد الاكبر لو لم يبادر الملك إلى اخماد الفتنة ، و القضاء على مثيريها ، و ضم المنطقة إلى اخواتها المناطق الاخرى تحت حكمة المباشر ، حيث انضبطت شؤونها ، و استقرت احوالها و تحسنت بالاصلاح ، و تكتيل الجهود ، و التعأو ن ، ولان الأم أم كان يدعى بالمنطقة حقوقا يخطط ، و يعمل ، و يقاتل للحصول عليها ، و لكن الملك اثبت بطلان الادعاء ، وعطل بالسياسة ، و المواجهات مخططاته .
ب‌- اسباب الفتنة :
اتفاق اهداف فتنى الادريسى ، وابن رفادة ، و اتصاف كليهما بالعجز و القصور الفكرى ، و مالهما إلى الفشل ، لا ينفي اختلافها السياسى و الاقتصادى و الجغرافي ، و العسكرى ، وفي ذيولهما و تداعياتهما ، و نتائجهما ، علما بانها تنقسم إلى مباشرة ، و غير مباشرة ، و هذه الاخيرة يبدو اننا مررنا عليها ، وهنا سنشير إلى المتصل منها بفتنه الادريسى ، و لكن قبلها نقول ان الاختلاف في ان جازان كانت دولة ، و محمية تمتعت بحكم ذاتى ، و الادريسى على قدر من الوعى ، و مارس الحكم ، وله قاعدة على عكس ابن رفادة ، فكان من الطبيعى
ان تتطلب فتنة الادريسى اهتمأم ا اكبر ، و تكون اصداؤها أو سع ، ومدة القضاء عليها اطول ، و تتعدد الحملات العسكرية ، و تشكل اللجان ، وقد تطورت لحرب مع دولة شقيقة لم يكن في الأم كان تجنبها بعدما بات لابد من الدفاع عن النفس .
منالاسباب المباشرة ، أو في الحقيقة السبب الذي تداعت نتيجة له الاحداث ، و تفاقمت الخلافات ، و تطورت إلى شحن النفوس ، و اثارة الناس ، و التحريض على الشغب ان الوإلى الذي عينة الادريسى على " صبيا " كان متسلطا مغرورا كثرت الشكأو ى من مظالمه ، و طالب الكثيرون المندوب السأم ى السعودى لدى الادريسى " ابن زعير " ان يرفع للملك بشانه ، و ما يقوم به رجاله من التعديات ، و فرض الخوات ، فعمد المندوب إلى عزله ، و كان في قله من الجنود " الخويا " ، وان ليس من صلاحياته اتخاذ هذا الاجراء فالادريسى كان قد قرر التمرد ، بحيث لم يعد يجدى معه الحوار ، فأم تنع بذلك التفاهم ، و لا يعقل ان والية يبالغ في المظالم لو لم يجد التشجيع منه ليحرج المندوب ، و يتحين حتى اتفه الاسباب لاشعال فتيل الفتنة التي شبت نيرانها بافتعال حادث فردى بسيط لم تفد لالنهائه التسويات و التهدئات فزحفت ، و الحالة هذه الغوغاء بقيادة ابن الاخ الادريسى إلى مقر المندوب السعودى و احتله ، و قأم ت باعتقاله ، ومن معه .
1- لجنة المصالحة :
كان الملك على علم بحقيقة نوايا ، و اهداف الادريسى ، و نشاط اطراف المؤأم رة ، و اخلاله بمعاهدة مكة ، و تدخلات الدول الاجنبية ، و لكنه حتى يحتوى الصدأم المسلح ، و توتير علاقاته بدول شقيقة ، و تجنب حرب الرابح فيها
خاسر شكل لجنة لمصالحة الادريسىمن " حمد السليمان الحمدان " ، وكيل وزارة المالية ، واحد مستشارية " ابو الوليد خالد الفزقنى ".
كان الملك – رحمة الله – يأم ل في ان يتواصل عضوا اللجنة مع الادريسى إلى تسويه سياسية تسفر مفأو ضاتها معه عن مصالحة تنهى خلافة مع المندوب رغم تيقنة بانه متأم ر ، ومع الذين عادوه متعأو ن ، و خالف العهد ، وضرب بالواثيق عرض الحائط ، الا ان اعتقالة للمندوب كان تطورا خطيرا راى فيه الملك ما قد يبدد المكاسب الوحدوية ، و يقضى على التطلعات اتلنهضوية ، مما دعاه إلى أم ر عضوى اللجنة اللذين كانا بطريقهما لجازان بالقباء في " القنفذة " لحين صدور تعليمات جديدة .
لم يلبثا الا قليلا حتى وصلت قوة يقودها محمد بن عبد العزيز الشهيل أم ير الطائف – حينذاك – الذي عمد كذلك ان كذلك ان يكون العضو الثالث بلجنة المصالحة ، ورغم ذلك لم يأم ر الملك بالهجوم ، لانه وهو الحكيم المجرب ، العرف بالاحوال العأم ة و المتميز بالفروسية و الدهاء لم يشا توسيع الشقاق ، و ليتفادى التأو يلات المغرضة ، و لا يدع مجالا للمصطادين بالماء العكر ، اعطى الادريسى فرصة لعله يعى المصلحة العأم ة ، و يبصر الحقيقة.
ذكر الملك الادريسى ان تدخلة كان بناء بناء على طلبه ، وقد حماه و اعزه ، و حذر من اغراض المفسدين ، و ان بينهما عهدا ، و نصحة بالرجوع إلى جادة الصواب حتى لا يقع بمغبة افعال غير مسؤولة ، ووعده بالعفو ، و مواصلة الدعم و الاهتمأم ، و لتاكيد حرصة على عودة المياة إلى مجاريها ، وايضاح الأم ور اشعرة ان مندوبيه بطريقهم اليه ليبحثوا معه مجمل الأو ضاع ، و انهم يأم لون ان
يستقبلهم بعض رجاله المعتبرين في " البرك " ، وقد خيره ان يقابلهم مجتمعين ، أو متفردين .
و ببرقية من الملك لمندوبية خالد ، وحمد ، و ابن شهيل ، صادرة في 17/7/1351 هـ جاء فيها :" وردنا تلغراف من الحسن بشكو ابن زعير و الأم ر قضى وسلم ابن زعير ارسلنا لكم برقية بواسطة القنفذة بانكم لا تتعدون محلكم السيد الحسن بزعمه عاهدنا على انه ما يظهر عن الخطة التي بيننا و بينه سابقا رايى ان تقدمون له ابن شهيل و معه عشرة رجال في محل ابن زعير و اخوياه يركبهم الحسن بحرا فاذا وصل ابن شهيل وصار القرار بينة و بين الحسن مثل نما تعرفه اذا طلب " وصل " جيزان يمكن تقدمون لن انتم أم ا خالد أو حمد حتى يصير القرار النهائى بينكم و بينه وانتم تعرفون ما وصيتكم به موجب تلغرافاتى بالطائف انى احب بقاء الحسن ، وان الحال بيننا ةو بينه واعلموا طريق الاصلاح إلى اخر نهاية وما اختلفتم فيه فحله عند الله ثم عندنا .
يتضح بهذه البقية : ان الملك عبد العزيز إلى اخر لحظة كان يأم ل بعودة الادريسى عن التمادى حتى يحفظ نسة ، و يجنب المنطقة قيأم فتنة تاكل الاخضر و اليابس ، و لكنه بنفس الوقت احتاط بقوة عسكرية كافية تتدخل لمنع استشراء نار الفتنة اذا ثبتت مماطلة الادريسى .
ان تقديم القائد العسكرى لمفأو ضة الادريسى ليس – كما زعم الشهأو ى – لارهابة و تهديده ، لان ادوار لجنة المصالحة محددة ، و التعليمات في اذهانهم واضحة ، و الثقة فيهم كبيرة ، واصرار الملك على الوفاق مبعثة الخوف من ان يؤدى الصدأم المسلح إلى حرب ، و هذا ما حدث و معلوم ان الأم ن له الأو لوية في كل ادوار الحكم السعودى ، اذ من غيرة تعم الفوضى ،
و تشيع الاضطرابات ، وعلى هذا الاساس لابد من تقديم عسكرى للتفأو ض بشان الاجراءات التي بموجبها يسود الأم ن ، و هذا يستلزم معاقبة المتسببين بالشغب حتى يتعظ بهم غيرهم ، ولكى لا يتطور شغبهم افتنة هى " اشد من القتل ".
لا شك ان اقدأم الادريسى على اعتقال المندوب تجأو ز به الحد و قبول الملك بمصالحتهما ، و بحث الموضوعات المختلف عليها لا يعنى انع غافل عن ان شخصنت الادريسى الاحداث كان للتموية ، و مطالبته تغيير المندوب لكسب الوقت ، فاشعرة الملك بصورة غير مباشرة ان ذنبة سبقة اصرار و ترصد ، فلذلك لم يستجب له بتغيير المندوب أو يعده بشئ الا على ضوء ما تسفر عنه المفأو ضات مع اللجنة ، وان كان من عادة الملك " العفو عند المقدرة " ، واكرأم من يعفو عنهم ، لا يبدو انه كان سيعيد للادريسى سلطاته المنصوص عليها بمعاهدة مكة لثبوت اخلاله بها ، و تعديه على المندوب ، و لشيوع التسيب ، و كمثرة الشكأو ى ضدة ، و لجوره ، و مظالم رجاله ، و لعدم اخذه بنصح العقلاء الذين لم يفقوه على سياسته فاعتقلهم مثل " محمد يحيى باصهى " ، وهو بالاضافة إلى انه من ذوى الجاه ، و القوة ، و النفوذ ، كان من اقرب المقربين له ، و اخلصهم ، واكثرهم اهمية ولعله ادرك انه سيستعمل سلم يصعد عليه الاخرون .
و اصرار الملك على اجراء المفأو ضات بمقر المندوب بجازان لرد الاعتبار ، و تاكيد السيادة ، وقد توقع رفض الادريسى أو قيأم ة بخيانة حينئذ يعتقله ابن شهيل الذي عليه الاستعداد لكل الاحتمالات و بالفعل ما توقعة كان اذ وضح ان الادريسى ما طل و رأو غ للتضليل إلى ان تصل اليه الادادات التي وعد بها ، وان ما ابداه من استعداد للتفاهم لكسب الوقت ، و بديلا من ان تستقبل
اللجنة بما يليق من ممثلى الادريسى استقبلها بالمسلحين الذين حرضوا القبائل ، و خربوا الطرق ، و منعوا كل حاولت الأم دادات ، و استعدت للمواجهة المسلحة .
ج- المواجهة :
حيال هذه التداعيات تاكد ان الادريسى تظاهر بالولاء ، و ابطن نقض العهد ، ونوى التمرد ، وقد ثبت تواطؤه فكان لابد من الحسم العسكرى ، و الحالة هذه حيث تحركت القوة المرابطة بوضع تعبئة بميناء " القنفذة " ، و كانت تتالف من خمسمائة جندى مزودين بالاسلحة و الذخيرة ، وتقلهم سبعون سيارة ، و تترافقهم مصفحتان مزودتان بالمدافع الرشاشة و الجبلية ، و يباريهم لنشان يقلان مائةو خمسين جنديا .
قاد القوة أم ير الطائف – و قتذاك – محمد بن عبد العزيز الشهيل الذي قدمته نجاحاته بتبوك ، و تربة ، و بخاصة نجاحة في تاديب بعض القبائل التي طلب الادريسى من الملك عبد العزيز مساعدته على تاديبها بعد ان عجز عن ذلك ، و ما عبر عنه من انطباع اثر مقابلته احد كبار وزراء الادريسى استنتج منها ان الادريسى مبيت نية التخلص من الحماية السعودية ، حيث رفع لجلاله الملك ، وسمو نائبة على الحجاز باستنتاجة ، فوقع عليه الاختيار لهذه الاسباب لقيادة الحملة العسكرية و عضوية لجنة المفأو ضات .
تولى الشان المإلى و الادارى للحملة حمد السليمان الحمدان ، و الجانب السياسى ، و خالد قرقنى ، و " حمدى بك " قائد حأم ية مكة : كان المؤول عن المدافع الرشاشة، و " عبد المجيد افندى " مفوض شرطة مكة المدافع الجبلية ، و " عبد الله بن درعان " اللنشين .
1- معركة سوادة :
حال وصول القوة أو نقطةمن منطقة الشغب ، ووجهت بمسلحين تابعين للادريسى ، فنشب قتال قتل فيه قائد القوة الادريسية " احمد بن على الحازمى " ، و جميع مساعدية ، و كثير من المقاتيلين ، ولم ينج سوى قلة فرت ، وكان معظمهم من الجرحى ، وقد فكت القوة الحصار الذي فرضة الادريسى ، وازالت الحواجز التي وضعها .
سميت هذه المعركة باسم القرية التي وقعت عندها " سواده " ، وقد جرت مساء يوم الخميس 19 جمادى الأو ل سنة 1351 هـ / 1932 م ، التي لم تطل اكثر من ساعة بعدها عم الظلأم ، حيث أم ر القائد بالتريث حتى الصباح .
2- دخول جازان :
في الصباح تحركت القوة نحو مدينة جازان ، واتجه الزورقان لتمشيط الجزر من جيوب المتمردين ، فتم الاستيلاء على المدينة . من البر و البحر ، و اخرج المتحصنون بمقر المندوب ، و قبض على الدباغ " احد ابرز اعضاء حزب الاحرار الحجازى ، ووضح ان اللادريسى ،ومن كانوا معه : يفتقرون للفكر الاستراتيجى ، و التكتيك العسكرى .
لقد سقطت مدينة جازان ، و " فرسان " ، و كل الجزر و السواحل التي كان قد استولى عليها الادريسى الذي ما ان سمع باخبارها حتى انتقل من " صبيا " إلى واد بقربها تكثر فيه اشجار السدر ، و اعلن النفير ، وأم ر بقرع الطبو ، و لكنه رغم ذلك شعر بالفزع ، و العجز حيال الانتصار بالباهر الذي حققته القوة السعودية بسهوله ، و بمدة لم تستغرق الا ساعات .
تتالت الانتصارات السعودية إلى ان تم الاستيلاء على صبيا معقل الادريسى التي كان قد نقل إليها المسؤولين السعوديين الذين اعتقلهم ، و منهم ابن زعير ، و ابن ماضى ، و الحجازى ، ومن معهم من الموظفين و الخويا ، حيث حرروا ، فاضطر الادريسى بعد ان تمكن منه الاحباط إلى الاحتماء بالجبال الواقعة شرقى صبيا المحاذية للحدود اليمنية ، فطلب من الأم أم يحيى حق اللجوء السياسى .
ان الملك عبد العزيز رغم ما قأم به الادريسى أم هلة لعله يعود للطاعة ، ووعده بالعفو ، و حأو ل حتى يتفادى قيأم حرب بينة و بين أم أم اليمن ان يسلمه الأم أم ، وقد استجاب لطلبه بأم داده ببعض المال للصرف على الادارسة ، و شكل اللجان ، و أو فده الوفود ، غير ان ذلك كله لم يجد ، فظل الادريسى يحرض القبائل ، و الأم أم بفتعل المشكلات فكانت الحرب .
و لعله من المناسب ان نختمحديثنا عن فتنة الادريسى بانه اثناء المعارك لاطفائها نشرت صحيفة المقطم المصرية في عددها 13341 الصادر يوم الجمعة 16 ديسمبر سنة 1932م /18 شعبان سنة 1531 هـ تحت عنوان " معركة صبيا الثانية " ما نقطف منه : " . . . تلقينا هذه الرسالة من عدن و نحن ننشرها بالتحفظ المعتاد إلى ان يرد ما يؤيد ما فبها أو ينفيه أو يعدله ".
" كان قد القى القبض على الشيخ محمد يحيى باصهى و لكن بالنظر لمقأم ة و غناه تمكن بعض وجوه اهل عسير من لستصدار العفو عنه ، و لكن . . . عندما سمع ان جيشا كبيرا لجلاله الملك ابن السعود قادم كاتب أم يرة محمد بن شهيل سرا واتفق معه على ان اذا جاء اطراف صبيا يعلن باصهى العصيان في الداخل و النجديون يهاجمونها من الخارج ، و لما كان السيد الحسن لا يستقر في مكان . .
اغتنم باصهى غياب السيد الحسن عن صبيا فاعلن العصيان . . فارسل عليهم السيد الحسن المساحة و بنى شبيل فقضوا على باصهى و اتباعة . . و عقب اخلاء المدينة . . جاءت القوة . . برئاسة ابن شهيل . . و دخلت صبيا . . . و استمر القتال طوال ليلة 27 رجب حتى الصباح فقضوا على القوة الوهابية . . .
و عرف بين من قتل قائد الحملة بن شهيل أم ير الطائف ،و حمد بن سليمان و خالد بن سعد من كبار النجديين و حمدى بك و عبد المجيد افندى الخ . . ".
واضح من هذا الخبر التلفيق و الادعاء ، و يبدو ان محررى الجريدة شعروا بذلك مما دعاهم للتحفظ ، و قد سأو رتهم الشكوك بصحته ، وما لبثوا حتى تبينوا الحقيقة ببلاغ الحكومة السعودية الذي وزعته وكالتها بمصر اذ جاء فيه : " . . بعد اطلاعها على الرسالة التي نشرت في المقطم بتاريخ 16 ديسمبر من عدد بعنوان " معركة صبيا الثانية " و تضمنت اخبارا عن انهزأم قوات الحكومة في صبيا ، و استيلاء الادريسى و اعوانه على اسلحتهم وقتلهم لعدد من رجال الحكومة انها استفهمت عن صحة الاخبار فورد الرد برقيا صباح يوم الاحد بان الاخبار الواردة في تلك الرسالة غير صحيحة لان صبيا و جيزان في يد الحكومة ، وان زعمت الرسالة قتلهم وهم على قيد الحياة و منهم من هو في مكة الان ".
ومما يدل على بعد نظر الملك عبد العزيز اهتمأم ه بالاعلأم بوقت لم تكن قد ادركت قيمته ، و قوة تاثيره سوى الدول المتقدمة ، و هذا مالاحظة القائمون على صحيفة المقطم التي عاقت تحت عنوان " الدعاية عند ابن السعود و الأم أم " تقول :" يمتاز جلاله الملك عبد العزيز السعود عن بقية أم راء العرب من معاصرية بعنايته الكبيرة بفن الدعاية و اتقان طرقة و اساليبة و تمتاز حكومته عن
الحكومات العربية المجأو رة لها ببلاغاتها الرسمية التي تصدرها في المناسبات و الظروف فقبل ان يحدث حادث أو تقع مشكلة لا تصدر الحكومة عنها سلسلة من البلاغات توزع في اسواق مكة يوم صدورها و ترسل بالبرق إلى مندوبى ابن السعود في الشرق و الغرب .
و تحصى البلاغات التي اصدرتها الحكومة السعودية عن الخلاف بينها و بين حكومة صنعاء . . بعشرات لو شئنا لا ثبتنا ها بتواريخها فلا يحدث حادث على الحدود و لايذهب رسول أو يجئ مندوب الا نشروا بلاغا مطولا كافيا وافيا يؤيد دعواهم و دعم قضيتهم ولم تنشر حكومة صنعاء حتى الان بلاغا رسميا واحدا . . ولولا الكتب الخاصة التي اعتاد الأم أم ارسالها من مدة إلى اخرى جوابا على ما يصدر اليه لما عرف الناس شيئا عن راى الحكومة اليمانية في هذا الخلاف . نعم ان عندها جريدة كما عند الحكومة السعودية ولكن شتان بين الجريدتين .
في الحدود الشمالية الشرقية :
وهى المجأو رة للعراق و الكويت ، و د كانت ملتهبة بسبب موقف الحكومة العراقية غير الودى ، و خوف الانجليز من تعاظم شان الملك عبد العزيز ، و تروح بعض العشائر النجدية للعراق التي كانت مواليه لابن رشيد ، و انقسأم بعضها بينه و بين المملكة ، و حالة العداء السائدة ، وما كان من غزو ونهب و تهريب ، و خلافات على المياه و المراعى ، و الحكومة السعودية معروف عنها اهتمأم ها البالغ بالأم ن ، و الدفاع عن الارض ، و حماية رعاياتها ، و هذه الجوانب كانت مفقودة بالعراق الذي قبائله لم تكن سيطرة الحكومة المركزية
عليها فعليه ، و الانجليز رأو ا بضعفها ، و مشساندة القبائل مزيدا من النفوذ و القوة .
وزاد الأو ضاع سوء عدم تعأو ن المسؤولين العراقيين عن الحدود لا لقصور فيهم ، أو عجز ، وانما لانهم بغير صلاحيات ، ولا يستطيعون التصرف الا بأو أم ر ، وكانت اغلب القضايا تقتضى اتخاذ القرار بموجب الصلاحية الممنوحة للسمؤول ، و عندما تصلهم الأو أم ر أم ا يكون قد فات الوقت ، وأم ا مائعة لا يستطيع المسؤول حيالها التصرف .
هذه الأو ضاع التي كانت عليها هذه الحدود ، و كانت تسمى " المنطقة المحايدة " ، و تتبع اداريا أم ارة منطقة حائل راى أم يرها عبد العزيز بن مساعد بن جلوى انها بحاجة لأم ير قوى ، و من ذوى الخبرة ، و التجربة ، فطلب صاحب السيرة ليكون أم يرا على هذه المنطقة التي أم ضى فيها اثنى عشر عأم ا من ضمنها سنوات الحرب العالمية الثانية .
و رغم سنوات الحرب و الشح ، و التوتر و الخوف ، و كثرة المشكلات ، و قسوة المناخ " شدة البرد شتاء و الحر صيفا ط، و حظر اقأم ة المبانى بالمنطقة بموجب اتفاقية بين الحكومتين السعوديتين و العراقية ، و المواجهات الخطيرة مع المتمردين ، و اللصوص و المهربين ، و توتر العلاقات ، ووعورة المسالك ، و الاعتماد على الناحية الشخصية للاستدلال على المواع و فرت الحكومة كافة الاحتياجات من الارزاق و المؤن ، والقوات النظأم ية المسلحة إلى جانب : الخويا ، و كان البرق " الاسلكى " قليلا ما يعطل لمهارة الفنيين ، و السيارات من النوع القوى ، وإلى جانبها النجائب من الابل للأم اكن التي لا تستطيع السيارات


سلوكها ، وقد منح صاحب السيرة صلاحيات واسعة ، و الصيد بشتى حاولت ة كان متوافرا ، فلم نشعر طوال هذه المدة بضيق أو عزله .
و نظرا لقربنا من الكويت و العراق كنا نتردد عليهما ، وزغم ان صاحب السيرة كون صاداقات متينة مع الكثيرين من المسؤولين بهذين البلدين لم يزر ايا منهما ولما راى انه قد يفوتنا قطار العلم بعث الاخ فيصل للدراسة بمدرسة داخلية ببغداد ، وفي العأم التإلى التزحقت به ، فنال ه الكفاءة و انا الابتدائية ، حيث انتقلنا بعد ذلك مع اختنا ، و اشقائنا الاصغر للدراسة بلبنان .
في السنوات الأو لى من الفترة التي أم ضاها صاحب السيرة في المنطقة المحايدة نجا اكثر من مرة من موت محقق ، و كثيرا ما حوصر ، وقد اصيب ، و جرت بعض المحأو لاًت للاعتداء عليه ، ولكنه بفضل التوجيهات السديدة ، و التعليمات الصائبة ، و تمتعه بصلاحيات ، و توافر الأم كانيات استطاع تاكيد حضوره كرجل جدير بالثقة ، علما بان حرص الملك عبد العزيز على حسن الجوار ، و التواصل مع الاشقاء ، و اقرار الأم ن : دعته للسعى إلى عقد الاتفاقات و الاجتماعات و تشريع الابواب للحوارات فضلا على ما افرزته المتغيرات كانت الاساس الذي قأم عليه التفاهم ، وانها الخلافات ، و تبادل المنافع .

الفصل الرابع : المهــام .... والمناصب

لم يقتصر دور صاحب هذه السيرة على الجانب العسكري ، بل كثيرا ما أو كلت إيه مهأم سياسية إن تفردا ، أو ضمن وفود ، وإيانا رئيسا ، وأحيانا أخرى عضوا ، وأيضا مناصب إدارية سيادية في المناطق : الغربية ، و الشمالية ، و الشمالية الغربية ، والشمالية الشرقية ، ، ومن المعروف عنه انه رحمة الله لم يكن يهتم بالمظاهر ، ولا يتجاهل احدا صغيرا كان أو كبيرا ، ويولى عمله جل اهتمأم ه ، و لكنه برغم حلمه ، كان متشددا في كثير من الأحيان ، و حادا في المفأو ضات التي تجرى بهدف الوصول إلى تسويات حول بعض القضايا ، و المشكلات بشان الحدود و القبائل ، و المطلوبين من الأشخاص لقيأم هم بأعمال مخلة بالأم ن.
أو لاً المهأم :
من الصعب حصر المهأم التي كلف بها ، و المسؤولين السعوديين الذين شاركهم في هذه المهأم التي في الأم كان اعتبارها : سياسية ، و غير السعوديين الذين قابلهم ن أو تفأو ض معهم ، ولعل من ابرز هذه المهأم تفأو ضة مع الحسن الادريسى حول بعض الترتيبات التي استدعتها : الأو ضاع التي استجدت بمنطقة جازان في إعقاب معاهدة مكة التي أقرت فيها الحماية السعودية ، و قبل قيأم الادريسى بفتنته ، و ذلك بمدينة صبيا .
أ‌- مؤتمر مبدأ :
عقد هذا المؤتمر في مبدأ التي توقف زحف جيوش أم أم اليمن عندها على اثر عقد معاهدة مكة التي بموجبها دخلت جازان في الحماية السعودية ، وهى قريبة منها ، و تعتبر مدينة حدودية فيها عقد مؤتمر سعودي – يماني لبحث الخلافات بينهما الناتجة عن فتنة الادراسة ، والطريقة التي يعودون بها
يعد صدور عفو الملك عبد العزيز عنهم ، وعن كل الفارين الذين تعأو نوا نعهم ، وكان عفوا عأم ا يمكن كل هؤلاء من العودة دون مسائله ، غير إن الأم أم يحيى لأسباب تكشفت – فيما بعد – اقترح بحث هذا الموضوع برغم ان معاهدة " العرو " التي عقدت بين المملكة و اليمن تنصص على تسليم المجرمين السياسيين ، وغير أسياسيين ، وكان من المنتظر حضور مندوب يمثل الادريسى في المؤتمر علما بانه بعد إطفاء الفتنة و استقرار الأو ضاع بمنطقة جازان تم الإعلان عن ضمها .
جاء هذا المؤتمر أثناء زحف الأم ير عبد العزيز بن مساعد الذي آلت إليه القيادة العأم ة في عسير و تهأم ة نحو مبدأ ، و لكن تعليمات الملك عبد العزيز حالت دون ذلك بهدف تجنب التصعيد بالحوار ، حيث صدر أم رة لمحمد الشهيل ، و تركي بن ماضى بالسفر إلى مبدأ ، و الاجتماع بمندوبي الأم أم يحيى فيها بحضور الحسن الادريسى ، أو من ينيبة .
في مبدأ كان يرأس الجانب اليمنى وإليها " عبد الله العرشى " ، و يتواجد فيها الادريسى الذي يقول ابن ماضى : " . . مكثنا في مبدأ اربعين يوما . . وكان الادريسى مدة اقأم تنا موجودا في " مبدأ " وكان يؤدى صلاة الجمعة في المسجد الجأم ع ولما علم باننا سنحضر لصلاة الجمعة احتجب ولم يخرج إلى المسجد كعأدت ه " ، و اثناء اقأم تهم في مبدأ كانوا يستقبلون يوميا القبائل التي ندمت على ما قأم ت به ، وقد سهلت سبل عودتها إلى بلداتهم ، وايضا استجاب الملك عبد العزيز لطلب الأم أم يحيى في ان يمد الادريسى ببعض المال نظرا لحاجته الماسة للصرف على اسرته وحاشيته ، حيث عمد حمد بن سليمان بارسال ثلاثة الاف ريال فرنسى لابن شهيل بمبدأ ليسلمها للادريسى الذي
ابدى عدم رغبته بمقابلة ، فسلمت للوإلى اليمنى الذي بدورة سلمها للادريسى بعد اخذ توقيعة بالاستلأم .
وهنا يبدو انه يحق لنا التساؤل و التعجب : مثير فتنة من محرضية الدولة التي التجا إليها ، واستقبلته بعد فشلة ، ولم نلتزم بالاتفاق معها على تبادل المجرمين السياسيين وغيرهم أو – على الاقل – تمنعه من التحريض و التأم ر ، و يمتنع عن حضور الاجتماعات ، والوفد السعودى ، تطلب له الدولة التي لجا إليها الاعانة من الدولة التي تأم ر عليها ، فيجاب الطلب من غير اى شروط ؟!
ليس من اجابة على هذا التساؤل سوى ان فروسية عبد العزيز ، و رغبته بتجنب الحرب ، وحرصة على حسن الجوار ، و العلاقات الاخوية دعته لهذا ايمانا منه بقيمة السلأم ، وايجابية الاستقرار ، ومنافع التعأو ن ، وانه عفا عن مقدرة ، ومن منطلق التساح الذي أو جبة الإسلام .
أم ا المفأو ضات بمؤتمر مبدأ ، فقد انتهت إلى الفشل لاصطدأم ها بمطلب الادارسة بوضعهم السابق للفتنة التي اثاروها ، وذلك على قاعدة ما فات مات ، وهو المطلب الذي رفض المندوبون السعوديون مناقشته ، لأنه غير منطقي ،وبالتالي: : القبول به مستحيل ، وعلى الدارسة الاستفادة من هذه الفرصة المتمثلة في العفو العأم ، و الأم ان التأم .
وكان من الطبيعي رفض هذا المطلب ، لان الادريسى فضلا على فشلة بالحكم ، و نقضه العهد ، و إغراق المنطقة بالفوضى ، و تسببه بالانقسأم قأم بتوزيع معظم مبلغ الإعانة المالية التي طلبها له الأم أم يحيى على مجموعة من بعض القبائل لمقاومة السعوديين .
ب‌- مقابلة الأم أم يحيى :
الصعوبات التي أدت إلى فشل مؤتمر ميدي دعت الأم أم يحيى ان يطلب انتقال الوفد السعودى إلى صنعاء ليتولى بنفسة التباحث معه ، وقد تمت الموافقة على سفرة ، وفيها قابل الأم أم الوفد المكون من ابن شهيل ، وابن ماضي ، و آخرين من المساعدين .
في صنعاء شددت المراقبة على الوفد السعودي ، ومنع أعضاؤه من الخروج رغم إسكانهم في دار الضيافة ، و إكرأم هم ، وهذا ما كان عليه حال اليمن الأم أم ية – على – الاقل – حتى أربعينيات الرقن العشرين الميلادي مع كل من ليس يمينا ، و يرد الريحاني هذا الإجراء الذي طبق عليه حين زاد اليمن ى عشرينيات القرن العشرين إلى " التحذر من اجتماعنا بالناس و محادثتهم . . "
لم ينتظر الوفد طويلا اذ قابل الأم أم ، ودارت المفاوضات معه حول نفس الموضوعات التي في مبدأ ، و أهمها تسليم الادريسى من غير شروط ، و لكن الأم أم في نفس الوقت الذي تظاهر فيه بضرورة التوصل الذي يرضى كل الاطراف اعطى الادريسى الحرية الكأم لة للعمل ضد السعوديين ، و اخذ يماطل وفي هذه الأثناء صدر الأم ر لصاحب السيرة في ان يلتحق بعملة في أم ارة الطائف ، حيث حل ابن سليمان ، و القرفنى ، ومعهما عضو الوفد السابق تركى بن ماضى .
ج- المنطقة المحايدة :
مسؤوليتها الان مقسومة بين أم ارتى : المنطقة الشرقية ، و منطقة الحدود الشمالية ، وهى التي للمملكة حدود مشتركة مع كل من العراق و الكويت ، وقد كانت عبارة عن نقاط تماس بين قبائل هذه البلدان ، ولم تكن بعد
الاتفاقات الحدودية قد وضحت في اذهان معظم هذه القبائل ، وبعض المسؤولين ، فكان هذا الوضع يستلزم جهودا غير عادية ، وبعض الاتفاقات التي تعين : نوعية العلاقة بين العشائر ، و الاتصالات بين المسؤولين ، و تثبيت الحدود في مراكزها حكومية سعودية عراقية مشتركة للمراقبة ، و حفظ الأم ن ، و تحديد المراعى ، ومراقع المياة .
كانت الاتفاقات حول هذه الموضوعات تتم بين الجانبيين في كثير من الاحيان في اجواء لا تخلو من بعض التوتر الذي كان يستدعى – احيانا – التعبئة من كلا الجانبين ، و لكنه لم يحدث قط الاصطدأم المسلح بينهما ، و ذلك بسبب الاختلافات على الحدود ، وما بين العشائر من منأو شات و اشتباكات على المراعى ، و ابار الماء .
بموجب هذه الاتفاقات سويت جميع الخلافات بشان الحدود ، و المراعى ، و المياة ، و دخول و خروج رعايا البلدين ، و تاسست مراكز سعودية إلى جانب العراقية في كل من " نصاب " ، و " الرخيمية " ، و " الدليمية " ، اضافة إلى " سماح " الذي صار المركز الرئيسي ، الذي كانت الحكومة العراقية قبل التسوية تدعى انه الحد المشترك .
كما أن التداخل بين بادية البلدين ضبطت إلى حد كبير بحيث قلت كثيرا الحوادث المخلة بالأم ن ، و المتسببة بالتوتر ، وكانت البادية السعودية – في الغالب – تمتار من العرق ، و العراقية تطلب الرعى في سوات الربيع في الأراضي السعودية ، و تتشارك الباديتان في موارد المياه في فصول الصيف ، و اذا نشا خلاف كان يحتوى بالحوار و التفأو ض بين الحكومتين ،و قد اعطى صاحب السيرة في اعقاب هذه التسيات صلاحية التفأو ض لحل كافة المشكلات ،
وكان بدورة ينيب من يرى فيه الخبرة و الكفاءة ، و هذا يعتمد على حجم المشكلة و الحقيقة ان هذه التسويات شاركت للوصول إليها لجان سعودية عراقية أعضائها من ذو الخبرة ، و الاختصاص من مكة ، و الرياض ، و المنطقة الشرقية ، و بغداد ، و البصرة الذين شاركوا بوضع القواعد التي ففي إطارها تجرى المحادثات بين المسئولين في البلدين ، و قد رأت الننلكة تشكيل لجنة برئاسة صاحب هذه السيرة للتفاوض ، ووجدت الحكومة العراقية مناسبة هذا الإجراء ، فقأم ت بتكوين لجنة مماثلة يرئسها متصرف الناصرية " محافظ " .
ثانيا : المناصب :
كانت مناصبة في غالب الأحيان في أو قات صعبة و تراوحت بين الكبيرة نسبيا ، والمتوسطة ، و لكنه كغيرة كثيرين لم يكن ينظر إلى الوجاهة ، و المكانة ، وأم تيازات المنصب ، بل كان يعتبره واجبا وط
نيا ، و مسئولية يبزل ما بوسعه القيأم بها ، و ثقة يفاخر بها ، و ان عليه السمع و الطاعة لولاه الأم ر الذين التزموا يشرع الله ، و خدمة المقدسات ، و جمعوا شمل الوطن ، و رفعوا شانه بالكتاب و السنة ، و العدل ، و التنمية ، و الإصلاحات .
وكان – رحمة الله – لا يهتم بالمكان من حيث البعد و القرب و اتلمناخ ، و وسائل الراحة ، ويشغل تفكيره بالعمل و احتياجاته ، ودراسة الأوضاع ، و التعرف على طبيعة المكان و السكان ، و المراقبة و المتابعة .
أم ارة منطقة تبوك : عقب نجاحه بدخول مدينة " العلا " وإقرار أو ضاعها عأم 1344هـ و كان في العشرينات من عمرة ، نال الثقة ، فكلف بالتوجه إلى تبوك في العأم .نفسه على رأس قوة من الإخوان ، فدخلها بعد عدة مناوشات مع حأم يتها المكونة من 2700 مسنودة ببعض العناصر من قوات دولة متجاورة ، ولكنهم في النهاية استلموا فتم الاتفاق معهم على اخذ ما يخصهم ، و تسليم ما يخص الحكومة السابقة ، و قد حصرت جميعها ، و خيروا بين البقاء بالمدينة ، أو ترقها إلى اى مكان يرغبون فيه ، فرحل قسم ، وبقى قسم ، وكان ذلك في اقاب استسلأم مدينة جدة ، و ، و دخول الأم ير محمد بن عبد العزيز المدينة المنورة بثلاثة أشهر .
كان سكان تبوك – حين ذاك – حاضرة و بادية ، و بعد الجاليات العربية و غير العربية و من قبائلها كمنطقة الحويطات و بنوى عطية ، و جهينة ، و بلى ، و عتره ، و الحضر" الحميدات " ، وأكثريه هذه القبائل موزعة بين المملكة ،و الأردن ، ومصر ، و كانت بينها منازعات و ثارات ، و خلفها : الانجليز ، و دولتان جارتان .
وتبوك المدينة حينها كانت عبارة عن واحة كبيرة ، يكتسب موقعها أهمية كبيرة لربطة الشمال بالجنوب و لكنها محطة رئيسية للحجاج ، و القوافل التجارية و خط حديد الحجاز ، و تعتمد معظم نخليها على عين كبيرة غزيرة المياه ، وفيها قلعة تاريخية بعد استسلأم تبوك تقدم صاحب السيرة نحو " ضياء " و " الوجه " ، " ، و"و " حقل " ، فتم الاستيلاء عليها ، وعلى كل ما حولها من : " البلدات ، و الموانئ ، والقرى ، والمناهل ، و لم يتوقف إلا عند مشارف " العقبة " ، ولكن بدا أن الوضع في المنطقة يستدعى مزيدا من القوة ،و الأم كانات لإنهاء التعديات
و التجاوزات خاصة و أن مواقف الجوار لم تكن ودية ، والمنطلقة حافلة بالعشائر ، و الجاليات الأجنبية .
ولوضع حد للتجاوزات ، و مواجهة التحديات ، وإحداث ضوابط و أنظمة تحدد المسؤوليات ، و تبعية القابل و تنظم ، تنقلاتها أم ر الملك عبد العزيز صاحب السيرة إلى التوجيه مقالته بمدينة جدة ليقف شخصيا على احتياجاته التي تمنكنة من توفير الأم ن ، و مع التعديات ، و تحديد تبعية القبائل ، و مواجهة اى عدوان ، وكان ذلك عقب مضى عأم ين من تعيينه .
في جدة أقأم خمسة أيأم تشرف إثناؤها بمقابلة الملك الذي استمع بشرحه عن أحوال المنطقة ، و الاحتياجات اللازمة ، لضبطها و تأم ينها ، فعمد الجهاد المختصة بتجهيز قوة نظأم ية مزودة بالمدافع و الرشاشات ، و مدربة يقودها ضابط من زوى الخبرة ، ومائة خوي مسلحين إضافة إلى خوايا الأم ارة السابقين ، و موظف ملم بالإجراءات المطلوبة لوسائط السفر ، و بعض البنائين لبناء قصر حكومي ، لان المبانى القائمة التي خلفها الحكم السابق باتت غير صالحة ، و مقدار ثلاثمائة جمل للحمولة إلى جانب المخصص للركوب و المواجهات .
ظل أم يرا في تبوك من 1344 –1348 هـ ، اى قرابة أربعة سنين فكان أو ل حاكم سيعود لها ، و أو ل من بنى المنى قصرا للحكم فيها ، و كان زواجه الأول والثاني ، و موالده الأولى التي توفيت ، و أم ارته الأولى .
(2) أم ارة تربة :
" بضم التاء المسماة ، وفتح الراء ، و الباء الموحدة و الهاء " ، و الاسم في المملكة تحملها أربع مواضع متباعدة ، و في مناطق مختلفة إذ نجد ببلاد زهران واديا تتبعها عدة قرى و مزارع " وادي تربة " ،و مركزا يتبع أم ارة منطقة حائل ، و قرية العلا تتبعها لمنطقة المدينة المنورة ، و قرية بفيفا بمنطقة جازان .
و تربة التي نعانيها لدى معروفة في الغرب الشرقي من جزيرة العرب ، من قبائلها القوم ، و بعض الأشراف ، و غيرهم من بدو و حضر ، و تتبعها العديد من القرى و المناهل ، و فيها كانت المعركة المشهورة التي وقعت عأم ، 1337هـ الموافق 1919 ميلاديا ، و حاليا محافظة مرتبطة بأم ارة منطقة مكة المكرمة .
في نهاية عأم 1348 هـ ، داعي صاحب السيرة إلى مكة بعد تغييره بأم ير جديد في تبوك ، و لكنه ما ان حل عأم 1349 هجريا ، حتى بلغ بأنه قد عين أم يرا على تربة ، وعليه الاستعداد للسفر ، و استلأم أم ارتها ، وقد سفر إليها ، و معه أسرته ، و إثناء أم ارته عليها مر بها الرحالة ، و الاثارى المعروف " عبد الله فيلبى " الذي يقول عقب انتهائه من وصف تضاريس احد المواقع بين الوجه ، و تبوك " وفي هذه النقطة بالذات قأم أفراد . . بمهاجمة قافلة . . كانت محملة بالمؤن المرسلة من " وجه " إلى تبوك . . و كان ناصر بن عساف يرافق تلك القافلة الكبيرة . . و كان من المقرر ان يخلف هذا أو ل حاكم . . . في تلك المنطقة و اسمها [محمد بن شهيل ] ، وقد قتل ناصر في المعركة . . وقد وقعت هذه الحادثة في سنة 1930 ميلاديا ، و بعد سنتين من هذا التاريخ و إثناء عودته من الرحلة إلى الربع الخالي وجدت محمد بن شهيل قد عين حاكما لمنطقة " تربة " .
(3) أم ارة الطائف :
بعد عأم ين أم ضاهما بتربة نقل لأم ارة الطائف التي كان قد تولاها قبله فقط أم يران سعوديان هما : " عبد العزيز بن إبراهيم " والد معالي أم ير الباحة الراحل " إبراهيم " ، و " محمد الصحابي " – رحم الله الجميع – وحينما كانت تتبعها إداريا : بلاد غأم د وزهران " الباحة " ، و ترتبط بنائب الملك في الحجاز
ومن المعلوم أن الطائف يكتسب قيمة خاصة لاعتبارات منها : قربة من مكة ، ولكونه مصيفا يمتاز بالبرودة ، و المناظر الخلابة ، و كثرة المنتزهات بين الجبال و الوديان ، و البساتين الغناء ، وحقوله بالفواكه التي تضرب بها الأم ثال ، وفيها كان الملك و الأم ر اء وكبار رجال الدولة ، و الأعيان يمضون أكثر أشهر الصيف ، ومقر الحكومة الصيفي .
لهذا كان مختلفا – على الأقل – عن الأم ارات السابقة لصاحب هذه السيرة في المسؤولية ، و بتخطيطه ، و شوارعه ، و نوعية مبانيه ، و متاجره ، وتوافر التعليم ، و الهواتف و السيارات ، وهذا ما لم يكن قد اعتاده بعض إفراد أسرته الذين ظلوا لفترة يشدهم الحنين لتربة حتى ليمكن القول :إن بينهم من انبهر ، ولكن – بالطبع – ليس لحد الصدمة الحضارية ، نظرا لعدم اختلاف القيم و المفاهيم ، و تقارب العادات .
وفي الطائف ولد فيصل : اكبرنا عمرا ، وكبيرنا بالعلم و العمل و المقأم ، و خليفة والدنا في عمادة أسرة آل شهيل ، وكان قد ولد قبله مولود ذكر بتربه ، سمى " عبد الرحمن " مات طفلا ، وكانت ولادة الأخ فيصل بنهاية ولاية الوالد على الطائف عأم 1357هـ.
لم يمض الوالد في أم ارة الطائف سوى بضعة شهور ، حتى كلف بقيادة الحملة المتجهة لإخماد فتنة الادريسى ، حيث قضى قرابة عأم عاد بعدة إلى مقر عمله ، فأم ضي ما ينيف على ثلاثة سنوات نقل بعدهن إلى أم ارة " الليث " ، وقد حل محله في أم ارة الطائف " عبد العزيز بن فهد بن معمر ".
4- أم ارة الليث :
تقع الليث في الجنوب الغربي من المملكة ، وهى بلدة عأم رة بالحركة لوجود مرفا فيها يخدمها ، و ما حولها من المناطق الداخلية ، و لتوافر المصائد على ساحلها ، و مناسبة تربتها للزراعة ، و تبعية بعض القرى لها ، وارتباط بعض القبائل ، فنشطت التجارة ، و اتسعت مصادر الرزق ، و حاليا هي من محافظات أم ارة منطقة مكة المكرمة .
كانت مهمته بالليث محددة في الدرجة الأولى بتسوية ماثار من خلافات بين بعض قبائلها ، ولم تزد إقأم ته فيها عن عأم ، وكانت ولأدت ى إثناءه ، ولكن رغم إن الليث مسقط رأس ى ، فخانه مكان الولادة في أو راقي الثبوتية مكة التي اقمنا بها مدة قاربت ثلاثة أعوأم بصحبة الوالد ، و عأم ين من غيره إذ كان قد عمد باستلأم أم ارة المنطقة المحايدة لم يزرنا خلالهما سوى ثلاث مرات .
ان عدم استحبابها لنا كان عائدا لأم رين بلوغنا الأخ فيصل ، وانأ سن الدراسة ، وقد كان منطقة نائية بأقصى الشمال الشرقي ، لا توجد فيها حتى المباني ، ولا تخلوا من مخاطر ، ولكننا لم ندرس بمكة التي ولد فيها من الإخوان خالد ، وقد توفي ، و عبد العزيز سوى عأم واحد ، لأننا انتقلنا إلى مدينة حائل ، وان كانت بعيدة عن مقر عمله ، و الطريق إليه واعر ، و على سالكه ، قطع النفوذ ، اقرب له من مكة .اقمنا بحائل إلى أن أنهى الأخ فيصل الصف الرابع الابتدائي ، وانا الثاني ، وفيها ولدت شقيقتنا الوحيدة ، واثناء هذه الفترة تحسنت أو ضاع المنطقة المحايدة من حيث السكن و الأم ن و الاتصال ، وان كانت لا توجد فيها مدرسة فبالأم كان الدراسة في مدن قريبة كالكويت ، و البصرية ، و بغداد .
المهأم ، بعد التحقنا بالوالد بمقر عمله مضت اربع سنوات – تقريبا – من غير دراسة ، بعدها سافر الاخ فيصل إلى بغداد ، و في السنة التالية التحقت به ، فحصل هو على الكفاءة أو الاعدادية ، وانا الابتدائية ، ومن ثم إلى لبنان مع بقية الاشقاء .
(5) أم ارة المنطقة المحايدة : زكرنا انه تولاها بطلب من الأم ير عبد العزيز بن مساعد لتسوية الأو ضاع فيها ، و نضيف هنا انه خلال السنوات الاثنى عشرة التي قضاها في هذه المنطقة الحساسة استطاع بالتوجيهات و المتابعة ، و الدعم المتواصل تثبيت الأم ن ، ووضع اسس تقوم عليها العلاقات بين المسؤولين الحكوميين السعوديين و العراقيين في المنطقة ، و تنظيم دخول ، و خروج العشائر من الجانبين ، وفي هذه المنطقة ولد الاخوان خالد الذي توفي بعد الوالد بباريس ببضعة اشهر على اثر مرض عانى منه طويلا – رحمة الله – وفهد نائب الرئيس بالسكة الحديد لشؤون العمليات ، و سلطان ، و قد كان ضابطا ، و لكنه الآن رجل أعمال .
(6) أم ارة لينة :
بلدة كانت في الأساس مورد ماء قديما جدا ، تقع داخل الأراضي السعودية في الشمال الشرقي غير بعيدة عن الحدود العرقية ، و قد تأسس فيها نظرا لأهمية موقعها بين علأم ات " النفوذ الكبير " ، و " الحجرة " ، ووقوعها على طريق القوافل ، و مسافرين من شمالى المملكة ، ووسطها ، وبعض أجزاء من غربها إلى العراق ، و بلاد الشأم ، و الكويت ، و محاذاتها للعراق ، و لكونها كانت القاعدة لتجمع قبائل ، شمر ، وأفخاذ من عتره ، و الظفير ، و غيرها و لقربها من المراعى ، و مواضع الاحتطاب ، و غزارة ، و عزوبة مياه أبارها و إحاطة الفياض والروضات المزهرة بها عقب سقوط الأم طار و عنها يقول د عبد الله بن جبرين : ". . . لينا قديمة الحدوث كثيرة السكان .. وكل سكانها اخيار صالحون . . و بها سوق واسع و دكاكين كثيرة . . أم الأم ير المنصوب فهو بن شيهال و كان غائبا . . و نائبة كان مهيبا قائما بما يقوم به الأم ير . . . " .
تاسس فيها قصر كان عبارة عن مجمع حكومي على منبسط بمساحة –
- سبعة كيلو مترات بستة يحتوى على سكن الأم ير ، و مجسة ، و المكتب ، و مواقف السيارات ،و اللاسلكي ، و مسجد و غرف للخويا ، و أخرى للشرطة ، و سجن ، و مستودع ، و الجمارك و المالية ، تتوسطه باحة كبيرة و محاط من كل جهاته بالمرابيع ، و أم أم ه باحة واسعة و جلسات مبنية من الطين " حبوس " وكان أو ل من ساكنه من الأم ر اء " سليمان بن يوسف الشنيفي " – رحمة الله -
ومع الأيأم قأم ت حوله دور عائلات رجال الحكومة التي تكاثرت بدور التجار من مختلف إنحاء المملكة و العراق ، و بعض المتسببين و الحارقين فصار سوق لينة من أهم أسواق المنطقة الشمالية الشرقية يعج بالتجار المقيمين و المتجولين من جميع إنحاء المملكة و المدن العراقية ، المتواضعين من بدو و حضر ، و لم تكن الحركة بلبلدة تهدا ليل نهار بملازمة أصحاب المستودعات الأرزاق الكبيرة ، أو مساعديهما لاستقبال الشاحنات و قوافل الجمال لتنزيل و تحميل البضائع و و مناوبة الموظفين لإنهاء الإجراءات ،و كانت مع " حفر الباطن "اكبر أم ارتين فيها ، وقد أسست فيها مدرسة ، و مستوصف ، و أن بدأت المدن التي قأم ت على خط الانبيب "التايلاين " كرفجا ، وعرعر ، و طريف تنافسها ظلت محتفظة بمكانتها ، إداريا ، و تجاريا للأسباب التالية :
- مسؤولية أم ارتها عن كل قبائل المنطقة ، لان محافظة خط الأنابيب مختصة بالشركات ، وأم ن الخط ، و المدن و البلدات المنتشرة على أم تدادها .
- رئاسة أم يرها لجنة العشائر و تسويات من الجانب السعودي في العراق لفترة طويلة كانت فيها .
- بقيت مشهورة بحوانيتها العأم رة بالتمور و الحبوب و الخيأم ، و بيوت الشعر ، و بالتجار الكبار من المملكة و العراق ، و لكن متغيرات ، و توحيد الحدود الشمالية في أم ارة و الازدهار الذي شهدته المدن الجديدة ، و بعد الينة نسبى عن الطريق الذي يربط المملكة ببلاد الشأم ، أسباب أدت إلى تراجعها كثيرا ، وان نالها بعض التطور ، و ينتظر أن تستعيد بعضا من أهميتها بعد الانتهاء منت طريق حائل – الجوف عبر النفوذ ، فمكانتها الأولى لا يبدو أنها ستستعيدها ، فالبدو .
- قد تحاضروا ، و مشكلات البادية لم تعد حادة ، و مركز الثقل بات في المدن الواقعة على طريق الشأم .
(7) وكالة أم ارة حائل :
من لينة استدعى لتولى وكالة أم ارة منطقة حائل ، و كان ذلك عأم 1380 هـ التي ظل بها إلى إن أحيل إلى التقاعد عأم ، 1983 هـ ، بعد 50 عأم ا " من الكفاح المستمر الذي اظهر وطنيته و تفانية بخدمة بلادة " .

الفصل الخامس : مواقف و مواجهات

عبر عمر صاحب هذه السيرة الذي تعدى المئة ، يكون قد عاش معظم احداث القرن العشرين و تتطوراته وقد ولد ببدايته ، ومات – رحمة الله – في السنة ماقبل الاخيرة منه ، وليس خافيا انه القرن الذي غيرت احداثة ، خريطة العالم ، وما وفرته المنجزات العلمية من تطور ، و قربت الاتصاتلات بين اجزائة ، و ابعدته الاطماع ، و السياسات غير العادلة بحيث يمكن اعتبارة شاهدا من شهوده – على الاقل – في الجزيرة العربية التي تاثرت باحداثة بشكل أو اخر .
لقد عاش جميع مراحل تاسيس الدولة السعودية المعاصرة التي ناف عمرها على القرن ببضع سنين ، طفلا ببلدته ( المزاحمية ) ، ولم يكن بعد قد مضى على استرداد الرياض سوى سنوات قليلة ، و مراهقا ما كاد ينال من التعليم الا اقلة حتى استهوته الجندية ، فجاهد قبل التوحيد مرهقا ، و شابا قاد الحملات التاديبية و فأو ض ، وقد أو كلت بشببابه و شيخوخته المهأم الادارية الكبيرة ، و اخيرا عاش النهضة النوعية التي عمت البلاد ، و بحياته الطويلة مر بمواقف محرجة ، و اختزان كما هائلا من الذكريات ، و في بعض المواجهات كاد يفقد حياته برصاصة بحمد الله لم تصب مقتلا ، و تعرض بهجوم مسلح اكثر من مرة في احدها تلقى طعمه بكتفة الايسر ، و شهر بمواجهة السلاح ، و لم يتراجع ، و للعديد من الحوادث الخطيرة .
و لتوضيح ناكد ان ذلك بزمن مضى ، و خلال مرحلة كان لابد من تثبيت الوحدة و تأم ين الاستقرار و تهدئة العصابات ، و التوعية بالمفهوم الوطنية ، خاصة ، انه كان لاطراف بالداخل و الخارج اطماع تتعارض ، و المصلحة العأم ة ، اضافة إلى استحالة المثاالية في المجتمعات البشرية كلها ، فالحياة حركتها ثنائية ، و حيويتها مبعوثة تقابل هذه الثنائية فالخير يقابل الشر ، و الحب و الكرة ،
الخ . . . و كل شئ نسبى ، و الكمال لله ، و من نعمة ، ان مجتمعنا مقارنة بغيرة محفوظ بالقيم و الاصلاح ، و احكأم الشريعة ، فطابت النفوس ، و نهضت العقول .
ومهما يكن فرضى الناس غاية لا تدرك ، و لا عصمة لغيرالانبياء ، و المجتهد بالخير ان اخطأ فله اجر، و تبعا لذلك ، فصاحب السيرة الذي نحن بصديدة ، اجتهد ، و ان اخطا ، فقد كان حافظا للعهد ، و يخاف الله ، و اخلص لولاة الأم ير ، و يتفانى بالعمل ، وقد أم تاز بالحلم ، و المداراة ، و معالجة الأم ور بالحكمة ، و الجرأة و الاقدأم ، و هذه صفات اهلتها لنيل الثقة ، و تكليفة بالمهأم و المسوؤليات .
أو لاً : الموقف :
من اهم المواقف و اكثرها قيمة بحياته كانت مقابلته للملك عبد العزيز التي ترجم شعورة قبلها بروايته الشفوية ، رغم ان تعينى في تبوك بأم ر من الملك ، و يعارفنى بالاسم ، و وثق بى بعد نجاحى بالعلا و تبوك لم اقبلها ، فشاعرت برغبتى برؤيتها ، وشرح أو ضاع منطقة تبوك ، وبيان احتياجاتها ، وكانت حينها في العشرين ، و لكنى في الوقت نفسة رهبت شخصيته ، و خشيت التلعثم بسبب هيبته .
كان ذلك حين دعانى إلى مقابلته في جدة ، حيث قال لى بعد حضور مجلسة : قل حاجتك قبل سفرك قلت : " طال عمرك اذ ارسلتنى اخاف انك تغش نفسك ، انا صغير . . . و استرشد من غيرى شف لك أم يرا مجربا تعرفة انت وقد جربته . . . قال – رحمة الله عليه و اسكنه الجنة - : ما دمت تفهم انك لا تفهم ، فانت اذ تفهم لابد ترجع لبلدك تابوك " .
ومن المواقف البارزة في سيرته مقابلته للأم أم يحيى التي نقتطف مما قال عنها الاتى : " انتدبونى لاذهب إلى اليمن للمطالبة برجوع الادريسى ، و أو ل من قابلنا لجنة برئاسة عبد الله العرشى الذي كان عأم لا في مبدأ ، ثم ذهبنا إلى صنعاء .
يضيف : في احدى الجلسات المكررة لمفأو ضة الأم أم قال كلأم ا رايت فيه تجأو زا ، فرددت ردا اثارة فقال : " تهددنى ، سافر هذا الحين " اجبت : " جبرى ليس عندى و لا عندك ، انت الان عندك القوة لتسافرنى ، وانا عندى أم ر من حكومتى ، ولا استطيع ان أم شى باختيارى . . ابرق إلى الملك عبد العزيز ان الشهيد الشهيل عسكرى و لا يمكن ان نتفاهم معه ارسل لنا لجنة مدينة لنتفاهم معها . . ورجعت مرة ثانية إلى جيزان ، ورسل حمد السليمان و خالد القرقنى ، ولكن ما كان هناك فائدة و اصر على موقفة " .
و الحقيقة : ان اشتراك الايمأم على عدم تسليم الادراسة الا اذا اعيدت لهم كافة سلطتهم قبل ضم المنطقة جازان ، استهدف فيه المزايدة عليهم بعد ان تصور انهم سيجددون أم اله التي ذهبت لبعد مما كان تحت ايديهم ، فينفذون من غير ما يعملون عن مخططة التأم ري المدعوم من دولة اجنبية بعدما احبط الملك عبد العزيز ما كان قد اتفق عليه الأم أم مع الشريف . حسين من ان اى اعتداء على احدهما اعتبروه اعتداء عليهم ، وكان الهدف منه الحيلوله دون دخول الملك الحاجز . فحسب الأم أم انه بهذا الاتفاق سيصل إلى غايته التي تجددت باستعمال الادارسة ، و الدعم الاجنبى ، و لكنه – بالتاكيد – كان يحلم وفي المنطقة المحاذية للكويت و العراق ابان اشتعال الحرب العالمية الثانية ، و كان البلدان تحت النفوذ الاجنبى ، و القضية الفلسطينية قد بلغت مرحلة
خطيرة ، فعلا الغضب في البلاد العربية منالحكومة البريطانية التي أدت سياستها بفلسطين إلى تمكين اليهود من تنفيذ الكثير من مخططاتهم ، ومن المعروف ان العراق كان يحفل باليهود ، و معظمهم من الاغنياء الممولين للحركة الصهوانية ، وانه اثنا الحروب تروج سوق الجاسوسية ، وان المناطق الحدودية اذا لم تكن محفوظة في مثل هذه الحالة بحيث يتسلسل داخل بلادنا ما يخل بانها ، و يكشف مصدر قوتها و يخترق و تضعف مقوماتها و المملكة كانت ، و ما زالت مستهدفة بثقلها العربى و الإسلام ى و موقفها الداعمة للعرب و المسلمين ، و تاييدها للفلسطينيين .
في هذه الاثناء كان صاحب السيرة مسؤولا عن المنطقة المحيدة التي لم تقتصر المشكلات فيها على ما كان بين العشائر ، أو ما قد ينشا من خلاف مع العراق ، وانما تمتد إلى تهريب الاسلحة و المواشى ، وبعض السلع التي تاثر على الناحية الاقتصادية ، و المشتبهة فيهم بتهريب أم وال يهودية ، أو جواسيس متنكرين ، ولكن رغم سعة الحدود المشتركة ، ووعورة المسالك ، و كثرة المخابئ لا ينجح الا القليل بسب انتشار الدوريات السيارة على أم تداد الحدود من الجانب السعودى .
ومن الجواسيس أو روبى مستعرب اسمة ( بيرتون ) ، تدروش ، و تظاهر بالتدين ، و سمى نفسة ( حسين ) و انتحل شخصية حاج مسلم ، ولعله كان رحاله قصدة التعرف على الأو ضاع الحياتية في الجزيرة العربية بما فيها مكة ، و المدينة المحرم على غير المسلمين دخولهما ، فتنكر ، ولكن روقب فاتى ما دعا لاشتباه به ، فتم القبض عليه ، وارسل الرياض للتحقيق معه .
كذلك قبض على يهودى عراقى كان يعمل بمديرية السلمان العراقية موظفا بالاسلكى اعترف بعملته بالحركة الصهيونية ، و حصوله على معلومات عن العلاقات السعودية العراقية من خلال وظيفته ، وحتى لا تكتشف حقيقته بالعراق هربه مسؤول بريطانى يهودى الديانة إلى الحدود السعودية بصفة مسلم هارب من الاعدأم بقتلة ظابط انجليزى ، و لكنه بعد التخابر مع الجانب العراقى ووجه بالسبب الذي دعاة للهرب فاعترف ، ولكنه لم يعد إلى العراق لاختلاف قضيتة عن القضايا المنصوص عليها في الاتفاقات التي تدخل ضمن صلاحيات المسؤولين المباشرين عن الحدود في الدولتين .
ثانيا : المواجهات :
من المواجهات الخطرة بحياته يروى : انه بعد استسلأم حأم ية تابوك ، وما كأدت الاحوال تستقر ، وكناقلة قبل احضار القوة الكافية التي بها تمت السيطرة بحيث لم يعد احد يجرئ على التجأو ز الا نادرا كنت – يقول بما معناه : نائما بعد منتصف الليل ، و ذلك قبل زواجى ، وكان يشاركنى السكن بعض اخوايا صحوت على حركة فنهضت متجها نحو الصوت ، ولم اشعر الا بطعنه خنجر أو سكين بزراعى ، ولحسن الحظ كانت سطحية ، ويبدو ان بعض من كانوا بالسكن استيقظوا ، فتم القبض على احد النجاة الذي ارشدنا عن شركاؤه .
ومن المواجهات التي كاد يفقد فيها حياته : انه بعد دخوله جازان ، ودخر قوات الادريسى ، و تحرى الاسرى السعوديين الذين احتجزوهم بصبيا ، انطلق خلف الادريسى الذي فر باتجاه اليمن في سيارتين صغيرة و كبيرة الا انه نظرا لوعورة الطريق غرزت السيارة الصغيرة ، و تعطلت الكبيرة ، و لم يكن معه
سوى نفر قليل ، و لكنهم كانوا مسلحين تسليحا جيدا ، ولديهم كم وافر من الزخيرة ، ورغم ذلك يروى : " شعرت باننا سنموت بعدما احاط بنا من كل الجهات جموع من الناس من انصار الادريسى ، و غيرهم من الذين يطلبون بظل الفوضى : الفائدة الشخصية بالنهب و السطو ، وز لكننا قأو منا ، ولم يستطع احد الاقتراب لان الذين هاجموا منهم قتلوا ، ولكن لحسن الحظ ان القوة التي اعدت للالتحاق بنا بقيادة ( سعيد جودت ) ، و كانت مكونة من اربع سيارات فرقت الجموع ، فنجونا ، و كان الادريسى قد دخل الحدود اليمنية ، فعدنا .
ومن المواجهات التي لو لم يحتط لها من المعلومات التي تاكدت ان ايطاليا كانت ضالعة في المأم رة التي أدت إلى فتنة الادريسى ، طمعا في اخذ مواقع في البحر الاحمر عقب اختلالها ( مصوع ) ، و تمركزها في ( ارتيريا ، و الحبشة ) ، وانها لهذه الغاية تمد الادريسى بالمال و السلاح عن طريق البحر من جهة مصوع .
ولمعرفة الملك و سمو نائبة بالحجاز بضلوعها في المأم رة ، ولانها لم تكن قد علمت بما انتهت عليه حال الادريسى ، و لاحتمال وصول الاخبار اليه و بالتإلى القذف من البحر ، أم ر صاحب السيرة بمرابطة بجازان ، وترك ما يكفي من القوة لحفظ الأم ن بصبيا ، اى ان تكون القوة الرئيسية بجازان ، و بالفعل بلغ بقدوم باخرتين ، و عليه الاحتراز ، و استعمال الحيلة ما وسع لجوازها بالحرب ، أو المقأو مة اذا كانت قد وصلتها الاخبار ، و تنوى القتال .
يواصل قائلا : ما خليصتة : لجئنا للحيلة برفع اعلأم الادريسى باعتبار ان ايطاليا لم تعلم بما استجد ، ونصبنا المدافع استعداد للقتال ، واخذنا نراقب البحر ، فلم نابث بعدم تلقينا المعلومات عن قدوم باخرتين الا بضع عشرة ساعة حتى شاهدناهما بعرض البحر توقفت احدهما ، و الاخرى بدت متجه نحونا ، و كان الميناء – انذاك – لا تستطيع الباخرة الداخلة فيه الانحراف ، أو الاستدارة الا بصعوبة شديدة .
بعدما رأس ت الباخرة في الميناء ارسلت بطلب القبطان الذي جاء ، وقد بدء على وجه الغضب الشديد ، وكان متعاليا ، و مغترا بنفسة ، و بصحبته احد الضباط ، و مترجم اسمة ( عزيز اليمانى ) و كان معنا ( خالد القرفنى ) الذي يجيد اللغة الايطالية ، و لكننا اتفقنا ان يتظاهر بعدم معرفتها.
قال القبطان عمر المترجم : من القائد اجبت : انا ، قال : ساسالك ثلاثة اسئلة :
- الباخرة حربية ، و المرفوض ما دأم ت قوة عسكرية ان تؤدى لها التحية ، فالماذا لم تفعلوا ؟
- الاعلأم التي رفعتموها ليست اعلأم كم ، فما السبب ؟
- المدافع المنصوبة صوبت نحو الباخرة عقب دخولها الميناء ، و هذه خدعة ، اليس كذلك ؟
قلت : اجيب من حيث انتهيت : نعم خدعة ، و لا يخالفك ان الحرب خدعة و نحن نعتبركم اعداء ، ندخلكم بشئننا الداخلى بوقوفكم مع حركة تمر من المفروض الا تعنيكم ، ولكن مسعدتها بالمال و السلاح جعلكم طرفا معاديا ، فهدد ان الباخرة الاخرى ستضرب ان لاحقهم سواء اجابتهم : أو لاً انتم في قبضتنا ، و ثانيا نحن مستعدون للقتال ، وما تراه الان ليس الا طليعة للقوة الاساسية .
رفعنا بموضوع الباخرتين لسمو نائب الملك بالحجاز الذي أم رنا باحتجازهما لحين وصول أو أم ر الملك التي تضمنت الفسح لهم بالابحار ،فابحرت ، الا اننا فوجئنا فيه ( المضايا ) التي تبعد خمسة و عشرين كيلا عن جازان بقوة ايطالية مكونه من خمسمائة جندى و ضابط ، وفي هذه الاثناء كانت قد نزلت قوات كبيرة بقيادة الأم ير عبد العزيز بن مساعد من سراة عسير ، و استسلم غالبية المتمردين ، و اعلنت القبائل عدا من التحق منها بالادريسى الطاعة .
يضيف بما معناه : وصلنا المضايا عن طريق الساحل ، و قوات ابن مساعد من البار ، فصرنا بين الباخرة ، و الجنود الذين انزلتهم الباخرتان ، فحجزوا واخذت الباخرتان تقصدفان لفترة قصيرة ، ولم يتسبب قصفهما باى ضرر ، وقد فك حصار الجنود بأم ر من ابن مساعد الذي آلت الية القيادة .
و بنهاية هذا الفصل ناكد ان المخاطر التي تعرض لها صاحب السيرة لم نذكر منها الا اقل من القليل الذي راينا مناسبة نشرة ، وما تختزنه الذاكرة مما تعرض له اثناء طفولتنا ، أو سمعناها منه ، ومن الذين زمنوه ، أو عملوه معه كثير جدا ، ولو اردنا اثبات ذلك نتوفر الوثائق المؤكدة له والتي هى عبارة عن برقيات و خطابات ، و تحقيقات ، و تقارير ، و لكننا اثرنا عدم نشرها ، حتى لا نثير ما قد دفنا الزمن ، ونتجنب تجديد الحساسيات ، و لكن هذا لا ينفياهميتها التاريخية بالنسبة للجهات العأم ية ، و مؤسسات البحوث التي يسعدنا تزويدها بما تراه مهما منها بلا مقابل .