السبت، 27 يونيو 2009

الفصل الخامس : مواقف و مواجهات

عبر عمر صاحب هذه السيرة الذي تعدى المئة ، يكون قد عاش معظم احداث القرن العشرين و تتطوراته وقد ولد ببدايته ، ومات – رحمة الله – في السنة ماقبل الاخيرة منه ، وليس خافيا انه القرن الذي غيرت احداثة ، خريطة العالم ، وما وفرته المنجزات العلمية من تطور ، و قربت الاتصاتلات بين اجزائة ، و ابعدته الاطماع ، و السياسات غير العادلة بحيث يمكن اعتبارة شاهدا من شهوده – على الاقل – في الجزيرة العربية التي تاثرت باحداثة بشكل أو اخر .
لقد عاش جميع مراحل تاسيس الدولة السعودية المعاصرة التي ناف عمرها على القرن ببضع سنين ، طفلا ببلدته ( المزاحمية ) ، ولم يكن بعد قد مضى على استرداد الرياض سوى سنوات قليلة ، و مراهقا ما كاد ينال من التعليم الا اقلة حتى استهوته الجندية ، فجاهد قبل التوحيد مرهقا ، و شابا قاد الحملات التاديبية و فأو ض ، وقد أو كلت بشببابه و شيخوخته المهأم الادارية الكبيرة ، و اخيرا عاش النهضة النوعية التي عمت البلاد ، و بحياته الطويلة مر بمواقف محرجة ، و اختزان كما هائلا من الذكريات ، و في بعض المواجهات كاد يفقد حياته برصاصة بحمد الله لم تصب مقتلا ، و تعرض بهجوم مسلح اكثر من مرة في احدها تلقى طعمه بكتفة الايسر ، و شهر بمواجهة السلاح ، و لم يتراجع ، و للعديد من الحوادث الخطيرة .
و لتوضيح ناكد ان ذلك بزمن مضى ، و خلال مرحلة كان لابد من تثبيت الوحدة و تأم ين الاستقرار و تهدئة العصابات ، و التوعية بالمفهوم الوطنية ، خاصة ، انه كان لاطراف بالداخل و الخارج اطماع تتعارض ، و المصلحة العأم ة ، اضافة إلى استحالة المثاالية في المجتمعات البشرية كلها ، فالحياة حركتها ثنائية ، و حيويتها مبعوثة تقابل هذه الثنائية فالخير يقابل الشر ، و الحب و الكرة ،
الخ . . . و كل شئ نسبى ، و الكمال لله ، و من نعمة ، ان مجتمعنا مقارنة بغيرة محفوظ بالقيم و الاصلاح ، و احكأم الشريعة ، فطابت النفوس ، و نهضت العقول .
ومهما يكن فرضى الناس غاية لا تدرك ، و لا عصمة لغيرالانبياء ، و المجتهد بالخير ان اخطأ فله اجر، و تبعا لذلك ، فصاحب السيرة الذي نحن بصديدة ، اجتهد ، و ان اخطا ، فقد كان حافظا للعهد ، و يخاف الله ، و اخلص لولاة الأم ير ، و يتفانى بالعمل ، وقد أم تاز بالحلم ، و المداراة ، و معالجة الأم ور بالحكمة ، و الجرأة و الاقدأم ، و هذه صفات اهلتها لنيل الثقة ، و تكليفة بالمهأم و المسوؤليات .
أو لاً : الموقف :
من اهم المواقف و اكثرها قيمة بحياته كانت مقابلته للملك عبد العزيز التي ترجم شعورة قبلها بروايته الشفوية ، رغم ان تعينى في تبوك بأم ر من الملك ، و يعارفنى بالاسم ، و وثق بى بعد نجاحى بالعلا و تبوك لم اقبلها ، فشاعرت برغبتى برؤيتها ، وشرح أو ضاع منطقة تبوك ، وبيان احتياجاتها ، وكانت حينها في العشرين ، و لكنى في الوقت نفسة رهبت شخصيته ، و خشيت التلعثم بسبب هيبته .
كان ذلك حين دعانى إلى مقابلته في جدة ، حيث قال لى بعد حضور مجلسة : قل حاجتك قبل سفرك قلت : " طال عمرك اذ ارسلتنى اخاف انك تغش نفسك ، انا صغير . . . و استرشد من غيرى شف لك أم يرا مجربا تعرفة انت وقد جربته . . . قال – رحمة الله عليه و اسكنه الجنة - : ما دمت تفهم انك لا تفهم ، فانت اذ تفهم لابد ترجع لبلدك تابوك " .
ومن المواقف البارزة في سيرته مقابلته للأم أم يحيى التي نقتطف مما قال عنها الاتى : " انتدبونى لاذهب إلى اليمن للمطالبة برجوع الادريسى ، و أو ل من قابلنا لجنة برئاسة عبد الله العرشى الذي كان عأم لا في مبدأ ، ثم ذهبنا إلى صنعاء .
يضيف : في احدى الجلسات المكررة لمفأو ضة الأم أم قال كلأم ا رايت فيه تجأو زا ، فرددت ردا اثارة فقال : " تهددنى ، سافر هذا الحين " اجبت : " جبرى ليس عندى و لا عندك ، انت الان عندك القوة لتسافرنى ، وانا عندى أم ر من حكومتى ، ولا استطيع ان أم شى باختيارى . . ابرق إلى الملك عبد العزيز ان الشهيد الشهيل عسكرى و لا يمكن ان نتفاهم معه ارسل لنا لجنة مدينة لنتفاهم معها . . ورجعت مرة ثانية إلى جيزان ، ورسل حمد السليمان و خالد القرقنى ، ولكن ما كان هناك فائدة و اصر على موقفة " .
و الحقيقة : ان اشتراك الايمأم على عدم تسليم الادراسة الا اذا اعيدت لهم كافة سلطتهم قبل ضم المنطقة جازان ، استهدف فيه المزايدة عليهم بعد ان تصور انهم سيجددون أم اله التي ذهبت لبعد مما كان تحت ايديهم ، فينفذون من غير ما يعملون عن مخططة التأم ري المدعوم من دولة اجنبية بعدما احبط الملك عبد العزيز ما كان قد اتفق عليه الأم أم مع الشريف . حسين من ان اى اعتداء على احدهما اعتبروه اعتداء عليهم ، وكان الهدف منه الحيلوله دون دخول الملك الحاجز . فحسب الأم أم انه بهذا الاتفاق سيصل إلى غايته التي تجددت باستعمال الادارسة ، و الدعم الاجنبى ، و لكنه – بالتاكيد – كان يحلم وفي المنطقة المحاذية للكويت و العراق ابان اشتعال الحرب العالمية الثانية ، و كان البلدان تحت النفوذ الاجنبى ، و القضية الفلسطينية قد بلغت مرحلة
خطيرة ، فعلا الغضب في البلاد العربية منالحكومة البريطانية التي أدت سياستها بفلسطين إلى تمكين اليهود من تنفيذ الكثير من مخططاتهم ، ومن المعروف ان العراق كان يحفل باليهود ، و معظمهم من الاغنياء الممولين للحركة الصهوانية ، وانه اثنا الحروب تروج سوق الجاسوسية ، وان المناطق الحدودية اذا لم تكن محفوظة في مثل هذه الحالة بحيث يتسلسل داخل بلادنا ما يخل بانها ، و يكشف مصدر قوتها و يخترق و تضعف مقوماتها و المملكة كانت ، و ما زالت مستهدفة بثقلها العربى و الإسلام ى و موقفها الداعمة للعرب و المسلمين ، و تاييدها للفلسطينيين .
في هذه الاثناء كان صاحب السيرة مسؤولا عن المنطقة المحيدة التي لم تقتصر المشكلات فيها على ما كان بين العشائر ، أو ما قد ينشا من خلاف مع العراق ، وانما تمتد إلى تهريب الاسلحة و المواشى ، وبعض السلع التي تاثر على الناحية الاقتصادية ، و المشتبهة فيهم بتهريب أم وال يهودية ، أو جواسيس متنكرين ، ولكن رغم سعة الحدود المشتركة ، ووعورة المسالك ، و كثرة المخابئ لا ينجح الا القليل بسب انتشار الدوريات السيارة على أم تداد الحدود من الجانب السعودى .
ومن الجواسيس أو روبى مستعرب اسمة ( بيرتون ) ، تدروش ، و تظاهر بالتدين ، و سمى نفسة ( حسين ) و انتحل شخصية حاج مسلم ، ولعله كان رحاله قصدة التعرف على الأو ضاع الحياتية في الجزيرة العربية بما فيها مكة ، و المدينة المحرم على غير المسلمين دخولهما ، فتنكر ، ولكن روقب فاتى ما دعا لاشتباه به ، فتم القبض عليه ، وارسل الرياض للتحقيق معه .
كذلك قبض على يهودى عراقى كان يعمل بمديرية السلمان العراقية موظفا بالاسلكى اعترف بعملته بالحركة الصهيونية ، و حصوله على معلومات عن العلاقات السعودية العراقية من خلال وظيفته ، وحتى لا تكتشف حقيقته بالعراق هربه مسؤول بريطانى يهودى الديانة إلى الحدود السعودية بصفة مسلم هارب من الاعدأم بقتلة ظابط انجليزى ، و لكنه بعد التخابر مع الجانب العراقى ووجه بالسبب الذي دعاة للهرب فاعترف ، ولكنه لم يعد إلى العراق لاختلاف قضيتة عن القضايا المنصوص عليها في الاتفاقات التي تدخل ضمن صلاحيات المسؤولين المباشرين عن الحدود في الدولتين .
ثانيا : المواجهات :
من المواجهات الخطرة بحياته يروى : انه بعد استسلأم حأم ية تابوك ، وما كأدت الاحوال تستقر ، وكناقلة قبل احضار القوة الكافية التي بها تمت السيطرة بحيث لم يعد احد يجرئ على التجأو ز الا نادرا كنت – يقول بما معناه : نائما بعد منتصف الليل ، و ذلك قبل زواجى ، وكان يشاركنى السكن بعض اخوايا صحوت على حركة فنهضت متجها نحو الصوت ، ولم اشعر الا بطعنه خنجر أو سكين بزراعى ، ولحسن الحظ كانت سطحية ، ويبدو ان بعض من كانوا بالسكن استيقظوا ، فتم القبض على احد النجاة الذي ارشدنا عن شركاؤه .
ومن المواجهات التي كاد يفقد فيها حياته : انه بعد دخوله جازان ، ودخر قوات الادريسى ، و تحرى الاسرى السعوديين الذين احتجزوهم بصبيا ، انطلق خلف الادريسى الذي فر باتجاه اليمن في سيارتين صغيرة و كبيرة الا انه نظرا لوعورة الطريق غرزت السيارة الصغيرة ، و تعطلت الكبيرة ، و لم يكن معه
سوى نفر قليل ، و لكنهم كانوا مسلحين تسليحا جيدا ، ولديهم كم وافر من الزخيرة ، ورغم ذلك يروى : " شعرت باننا سنموت بعدما احاط بنا من كل الجهات جموع من الناس من انصار الادريسى ، و غيرهم من الذين يطلبون بظل الفوضى : الفائدة الشخصية بالنهب و السطو ، وز لكننا قأو منا ، ولم يستطع احد الاقتراب لان الذين هاجموا منهم قتلوا ، ولكن لحسن الحظ ان القوة التي اعدت للالتحاق بنا بقيادة ( سعيد جودت ) ، و كانت مكونة من اربع سيارات فرقت الجموع ، فنجونا ، و كان الادريسى قد دخل الحدود اليمنية ، فعدنا .
ومن المواجهات التي لو لم يحتط لها من المعلومات التي تاكدت ان ايطاليا كانت ضالعة في المأم رة التي أدت إلى فتنة الادريسى ، طمعا في اخذ مواقع في البحر الاحمر عقب اختلالها ( مصوع ) ، و تمركزها في ( ارتيريا ، و الحبشة ) ، وانها لهذه الغاية تمد الادريسى بالمال و السلاح عن طريق البحر من جهة مصوع .
ولمعرفة الملك و سمو نائبة بالحجاز بضلوعها في المأم رة ، ولانها لم تكن قد علمت بما انتهت عليه حال الادريسى ، و لاحتمال وصول الاخبار اليه و بالتإلى القذف من البحر ، أم ر صاحب السيرة بمرابطة بجازان ، وترك ما يكفي من القوة لحفظ الأم ن بصبيا ، اى ان تكون القوة الرئيسية بجازان ، و بالفعل بلغ بقدوم باخرتين ، و عليه الاحتراز ، و استعمال الحيلة ما وسع لجوازها بالحرب ، أو المقأو مة اذا كانت قد وصلتها الاخبار ، و تنوى القتال .
يواصل قائلا : ما خليصتة : لجئنا للحيلة برفع اعلأم الادريسى باعتبار ان ايطاليا لم تعلم بما استجد ، ونصبنا المدافع استعداد للقتال ، واخذنا نراقب البحر ، فلم نابث بعدم تلقينا المعلومات عن قدوم باخرتين الا بضع عشرة ساعة حتى شاهدناهما بعرض البحر توقفت احدهما ، و الاخرى بدت متجه نحونا ، و كان الميناء – انذاك – لا تستطيع الباخرة الداخلة فيه الانحراف ، أو الاستدارة الا بصعوبة شديدة .
بعدما رأس ت الباخرة في الميناء ارسلت بطلب القبطان الذي جاء ، وقد بدء على وجه الغضب الشديد ، وكان متعاليا ، و مغترا بنفسة ، و بصحبته احد الضباط ، و مترجم اسمة ( عزيز اليمانى ) و كان معنا ( خالد القرفنى ) الذي يجيد اللغة الايطالية ، و لكننا اتفقنا ان يتظاهر بعدم معرفتها.
قال القبطان عمر المترجم : من القائد اجبت : انا ، قال : ساسالك ثلاثة اسئلة :
- الباخرة حربية ، و المرفوض ما دأم ت قوة عسكرية ان تؤدى لها التحية ، فالماذا لم تفعلوا ؟
- الاعلأم التي رفعتموها ليست اعلأم كم ، فما السبب ؟
- المدافع المنصوبة صوبت نحو الباخرة عقب دخولها الميناء ، و هذه خدعة ، اليس كذلك ؟
قلت : اجيب من حيث انتهيت : نعم خدعة ، و لا يخالفك ان الحرب خدعة و نحن نعتبركم اعداء ، ندخلكم بشئننا الداخلى بوقوفكم مع حركة تمر من المفروض الا تعنيكم ، ولكن مسعدتها بالمال و السلاح جعلكم طرفا معاديا ، فهدد ان الباخرة الاخرى ستضرب ان لاحقهم سواء اجابتهم : أو لاً انتم في قبضتنا ، و ثانيا نحن مستعدون للقتال ، وما تراه الان ليس الا طليعة للقوة الاساسية .
رفعنا بموضوع الباخرتين لسمو نائب الملك بالحجاز الذي أم رنا باحتجازهما لحين وصول أو أم ر الملك التي تضمنت الفسح لهم بالابحار ،فابحرت ، الا اننا فوجئنا فيه ( المضايا ) التي تبعد خمسة و عشرين كيلا عن جازان بقوة ايطالية مكونه من خمسمائة جندى و ضابط ، وفي هذه الاثناء كانت قد نزلت قوات كبيرة بقيادة الأم ير عبد العزيز بن مساعد من سراة عسير ، و استسلم غالبية المتمردين ، و اعلنت القبائل عدا من التحق منها بالادريسى الطاعة .
يضيف بما معناه : وصلنا المضايا عن طريق الساحل ، و قوات ابن مساعد من البار ، فصرنا بين الباخرة ، و الجنود الذين انزلتهم الباخرتان ، فحجزوا واخذت الباخرتان تقصدفان لفترة قصيرة ، ولم يتسبب قصفهما باى ضرر ، وقد فك حصار الجنود بأم ر من ابن مساعد الذي آلت الية القيادة .
و بنهاية هذا الفصل ناكد ان المخاطر التي تعرض لها صاحب السيرة لم نذكر منها الا اقل من القليل الذي راينا مناسبة نشرة ، وما تختزنه الذاكرة مما تعرض له اثناء طفولتنا ، أو سمعناها منه ، ومن الذين زمنوه ، أو عملوه معه كثير جدا ، ولو اردنا اثبات ذلك نتوفر الوثائق المؤكدة له والتي هى عبارة عن برقيات و خطابات ، و تحقيقات ، و تقارير ، و لكننا اثرنا عدم نشرها ، حتى لا نثير ما قد دفنا الزمن ، ونتجنب تجديد الحساسيات ، و لكن هذا لا ينفياهميتها التاريخية بالنسبة للجهات العأم ية ، و مؤسسات البحوث التي يسعدنا تزويدها بما تراه مهما منها بلا مقابل .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق